عليها وتصفحوا وتغفروا ؛ فإن الله غفور رحيم ؛ ألا ترى إلى ما حذر الله المؤمنين من أهل النفاق مع أنهم من الضعف والفشل [؛ كما أخبر الله](١) ـ عزوجل ـ عنهم بقوله : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) [المنافقون : ٤] فكذلك الأزواج والأولاد وإن كانوا تحت قهره [وغلبته ، أمره](٢) بالحذر عنهم ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون على فعل العداوة ، ليس أنهم أعداء في الحقيقة ، وذلك أنهم في المتعارف والمعتاد يدعون الآباء إلى البخل والمنع عن الإنفاق على غيرهم ، ويشتد عليهم صنع أبيهم من الإحسان والبر في حق الناس ، ويكرهون ذلك ، وهذا في الظاهر فعل العدو ؛ فيجوز أن يكون الله تعالى علم صحبة هؤلاء أن من أزواجكم وأولادكم من يظهر فعل العداوة فاحذروهم أن تمتنعوا عن وجوه الإحسان إليهم والتبرع بقولهم ، وإن تعفوا عن صنيعهم بكم وتغفروا (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).
المفتون : [هو](٣) المولع بالشيء العاشق له ، فكأنه قال : إنما أموالكم وأولادكم معشوقكم ؛ فلا يحملكم حبهم على أن تتركوا ابتغاء الأجر العظيم عند الله تعالى.
ويحتمل أن يكون معناه : أن الله تعالى لم يخلق الأزواج والأولاد لكم مجانا ، وإنما خلقهم ليبتليكم ، ويمتحنكم : أن كيف تعاملون الله تعالى فيما أمركم به ونهاكم عن حبهم ، ثم أخبر أن الله عنده أجر عظيم ؛ ليتحملوا المؤنة العظيمة في أوامره ونواهيه عن حبهم الأولاد والأموال ، وهذا معنى ما قال بعضهم : إن الأزواج والأولاد كانوا يتعلقون بهم ، ويقولون : ننشدك بالله أن [لا] تذرنا وتضيعنا ، إذا أراد الرجل أن يهاجر إلى المدينة.
والأشبه ألا يكون هذا ؛ لأن هذه الآية نزلت بالمدينة وأفعالهم هذه إنما كانت بمكة ، إلا أن يكونوا كتبوا إليهم بها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
قال بعضهم (٤) : نسخت هذه الآية قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] حيث أمر هاهنا بالاتقاء على قدر الاستطاعة ، وثم بخلافه ، ولكن هذا لا يستقيم ؛ لأن قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) لا يراد به الاتقاء فيما لا يستطيعون لا فوق
__________________
(١) في أ : فأخبر.
(٢) في أ : أمرهم.
(٣) سقط في ب.
(٤) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٤٢١٢) و (٣٤٢١٣) وعبد بن حميد وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٤٦).