وقال بعضهم : بل يغور ماء كل بحر في مكانه ، لا أن تجتمع المياه كلها في مكان واحد وبحر واحد.
وقال بعضهم : بل يمتزج بعضها ببعض ؛ فتصير نارا يعذب بها أهلها ، وكذلك (١) قوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) [التكوير : ٦] ، وقال : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور : ٦] ، والله أعلم أي ذلك يكون؟.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) ، أي : بعث من فيها ، وتقذف القبور من فيها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) ، أي : تعلم الأنفس ما عملت ، إلى آخر ما انتهى [إليه عملها](٢) فلا يخفى عليها شيء من أمرها.
ومنهم من يقول (٣) : ما قدمت من خير وأخرت من شر فستعرفه في ذلك اليوم.
ومنهم من يقول (٤) : علمت ما قدمت من العمل ؛ أي : بما عملت (٥) بنفسها ، (وما أخرت) أي : ما سنت من السنة فعمل بها بعدها.
وهذا الذي ذكروه داخل في تفسير الجملة التي ذكرنا أنها تعلم من أول ما عملت إلى آخر ما انتهى إليه عملها.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ)(١٢)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) يحتمل : عن ربك ؛ فيكون تأويله : أي شيء غرك عن ربك الكريم ؛ حتى اغتررت به؟! واغتراره عن ربه الإعراض عن طاعته وعبادته ، وقد تستعمل الباء في موضع «عن» ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) [الإنسان : ٦] ، ومعناها : يشرب عنها ، لا أن يشربوا فيها كرعا ، أو تجعل العين آنية لهم.
ثم وجه الجواب للمغتر بالله ـ تعالى ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) هو أن كرمه دعا الإنسان إلى ركوب المعاصي ؛ لأنه لم يأخذه بالعقوبة وقت
__________________
(١) في ب : فذلك.
(٢) في أ : علمها.
(٣) قاله ابن عباس بنحوه أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٥٥٧) وهو قول عكرمة وقتادة وابن زيد أيضا.
(٤) قاله ابن مسعود أخرجه ابن المبارك في الزهد ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٣٣ ـ ٥٣٤) وهو قول ابن عباس وعطاء أيضا.
(٥) في ب : علمت.