وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) تأويله : أنهم يعرفون أنهم يصلونها بتكذيبهم بها ، وحجبوا عن الله ـ تعالى ـ بتكذيبهم بذلك اليوم ، وإلا لو آمنوا وأقروا أن النار حق والبعث حق ، لم يكونوا يصلونها ؛ فيعرفون حتى يقروا (١) بذلك بقوله : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١١].
قوله تعالى : (كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (٢٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) : ذكر الأبرار هاهنا مقابل الفجار في الأول ، ثم بين الفجار أنهم المكذبون بيوم الدين ، وذلك أول منازل الكفر ، فإذا أريد بالفجار : الكفار ، أريد بالأبرار : الذين آمنوا ؛ فلذلك قيل بأن الأبرار هم المؤمنون.
والبر هو الذي يكثر منه تعاطي فعل البر ، فسمي : بارا ؛ إذا كثر منه [البر](٢) ، والفاجر : هو الذي يكثر منه فعل الفجور ؛ فجائز أن يكون الوعيد في الذين بلغوا في الفجور غايته ، ويكون حكم من دونهم متروكا ذكره ؛ فيوصل إلى معرفة حكمه بالاستدلال ، ويكون الوعد في الذين أكثروا أفعال البر ، ويكون حكم من دونهم معروفا بغيره من الأدلة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) : ذكر شهود المقربين في ذكر كتاب الأبرار ، ولم يذكر شهودهم عند ذكر كتاب الفجار ، فجائز أن يكون شهودهم على التعظيم لعمله ، والدعاء له ، وغير ذلك.
وقيل (٣) : المقربون : هم مقربو أهل كل سماء (٤).
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) : البرّ هو الذي يبذل ما سئل عنه ، ويجيب إلى ما دعي إليه ، فإذا أجاب الله ـ تعالى ـ فيما دعاه إليه من التوحيد ، ووفى بأوامره ، وانتهى عن مناهيه ، فهو من الأبرار.
ثم ما ذكرنا يكون بوجهين :
__________________
(١) في ب : يتفرقوا.
(٢) سقط في ب.
(٣) قاله الضحاك أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٦٦٤).
(٤) في ب : السماء.