التقريب بما أجهدوا أنفسهم في الدنيا ؛ للأمور التي ذكرنا.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٣٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) : وجه (١) ذكر صنيع (٢) الكفرة بالمؤمنين في القرآن ، وجعله آية تتلى وإن كان المؤمنون بذلك عارفين ـ يخرج على [ثلاثة أوجه](٣) :
أحدها : [أن] فيه تبيين موقع الحجج في قلوب المؤمنين وعملها بهم ؛ وذلك أن المؤمنين لما سخت أنفسهم باحتمال الأذى والمكروه من الكافرين ، انتصبوا لمعاداة آبائهم وأجدادهم وأهاليهم ، ورفضوا شهواتهم ، وتركوا أموالهم ، واختاروا اتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ودينه ، ومعلوم أنهم لم يحملوا أنفسهم كل هذه المؤن ؛ طمعا ورغبة في الدنيا ؛ لما لم يكن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يرغب في مثله من نعيم الدنيا ؛ فثبت أن الحجج هي التي حملتهم ودعتهم إلى متابعته (٤) لا غير ؛ فيكون فيما ذكرنا تثبيت رسالته ، وإن لم يكن في الآية إشارة إلى الحجج التي اضطرتهم إلى تصديقه والانقياد له ؛ فيكون في ذكره تقرير لمن تأخر عنهم من المؤمنين لرسالته ، عليهالسلام.
والثاني : أن أولئك المؤمنين صبروا على ما نالهم من المكاره ، واستقبلهم من أنواع الأذى في قيامهم بأمر الله تعالى ؛ ليكون في ذكره تذكير لمن تأخر من المؤمنين : أن عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه لا عذر لهم في الامتناع عن القيام بما ذكرنا وإن نالهم من ذلك أذى ومكروه ؛ بل الواجب عليهم الصبر على ما يصيبهم ، والقيام بما يحق عليهم.
أو ذكر ما لقي الأوائل من السلف من المعاداة (٥) والشدائد من الكفرة بإظهارهم دين الإسلام ، ثم نلنا نحن هذه الرتبة ، وأكرمنا بالهدى بلا مشقة وعناء ؛ لنشكر لله تعالى بذلك
__________________
(١) في ب : فوجب.
(٢) في ب : صنع.
(٣) في ب : أوجه ثلاثة.
(٤) في ب : مبايعته.
(٥) في ب : المعافاة.