كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) [إبراهيم : ١٧] ، أي : لا يقضى عليه حتى يتخلص من أوجاعها.
(وَلا يَحْيى) ، فالحياة التي ينتفع بها في الدنيا هي التي ترتفع عنها آلام الموت ، وأوجاعه ، فقوله : (وَلا يَحْيى) ، أي : لا يرتفع عنه ألم الموت.
أو يكون قوله : (لا يَمُوتُ) فيستريح (وَلا يَحْيى) حياة يتلذذ بها.
قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(١٩)
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) ، أي : من أتى بما تزكو به نفسه ، أو أتى بما تطهر نفسه به ، وسنذكر في سورة : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) ما تأويل الفلاح؟ [إن شاء الله تعالى](١).
وقوله : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ، يحتمل أن يكون أريد به أنواع العبادات ، لا الصلاة المعروفة وحدها ؛ لأن الصلاة اسم للدعاء والثناء ولأنواع من الكرامات ؛ فإنه يقول : بذكر الرب ما يصل إلى العبادات ، ومن أعرض عن ذكره حرم أداء العبادات.
أو يكون منصرفا إلى الصلاة المعروفة ؛ فيكون قوله : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ، أي : يصلي بتقديمه اسم الرب ؛ فيكون ذلك منصرفا إلى الافتتاح ؛ فيكون حجة لأبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أن المصلى له أن يفتتح صلاته بأي أسماء الله تعالى أحب.
ثم ذكر اسم الرب يقتضي المعاني التي ذكرنا في قوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ، أي : تؤثرون حياتها على حياة الآخرة ، ويكون الخطاب منصرفا إلى المنافقين والكفرة ، لا إلى أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم كانوا في الإيثار (٢) مختلفين ؛ فمنهم من آثرها في أن نظر في الدنيا وأعرض عن النظر في الآخرة وجحدها.
ومنهم من كان أغلب سعيه لأمر الدنيا.
ومنهم من كان يؤثر بعض أحوالها على الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ، أي : إيثار الحياة الآخرة خير وأبقى من إيثار الحياة الدنيا.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : الإتيان.