قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(١٦)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ. لِسَعْيِها راضِيَةٌ) ، أي : ناعمة بما عاينت من عاقبة عملها الصالح في الدنيا ، ورضيت بما أوتيت جزاء عن سعيها في الدنيا ، جعل الله تعالى في وجوه الخلق يوم القيامة آثار صنائعهم في الدنيا : فمن أطاعه جعل علم طاعته في وجهه يوم القيامة ، ومن عصاه جعل أثره في وجهه يعرف به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون قد علا قدرها ، وعظم شأنها ؛ فتكون (عالِيَةٍ) نعتا للجنة ، فوصفها بالعلو من هذا الوجه.
والثاني : يحتمل العلو من حيث الدرجات والمكان ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) ما يحق أن يلقى من الشتم ومن كل ما يؤثم صاحبه ؛ بل هم كما وصفهم الله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [الحجر : ٤٧].
ثم الذي يحمل المرء على شتم المرء إما ضغن أضمره في صدره ، أو خصومة حدثت بينهما ، أو آفة تدخل في عقله بسكر أو (١) ما أشبهه ، والله ـ تعالى ـ نفى عن الشراب الآفات بقوله : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) [الواقعة : ١٩] ، ونزع الغل عن صدورهم ؛ فارتفعت دواعي السفه كلها ؛ فلا يسمع (٢) فيها [ما يحق](٣) أن يلغى به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) ، أي : عيونها جارية تأخذها العين ، وتجرى على وجهها ، ليست كمياه الدنيا في أن بعضها يجرى على وجه الأرض ، وبعضها تحتها ، نحو ماء القناة وماء البئر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) ، قال بعضهم (٤) : مرفوعة بعضها فوق بعض ، ترتفع ما شاء الله ، فإذا جاء ولي الله ـ تعالى ـ ليجلس عليها ، تطامنت له ، فإذا استوى عليها ارتفعت حيث شاء الله تعالى.
وقال بعضهم : معنى (مَرْفُوعَةٌ)(٥) هاهنا : أنها أنشئت مرفوعة القدر عند أهلها ، فوعدوا
__________________
(١) في أ : و.
(٢) في ب : مسمع.
(٣) في ب : بالحق.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٧٠٣٧).
(٥) في ب : المرفوعة.