الإبل ؛ فصارت الإبل كالأنعام تصلح للمنافع المتخذة في الدواب والبركات المعقودة فيها ، وكذلك عظم [المنافع و](١) البركات المعقودة فيها متصلة بالسماء ؛ ففيها جعلت أرزاقهم ، وفيها عين الشمس التي بها مصالح الأغذية وتراها مزينة بزينة الكواكب ، فهي ـ أيضا ـ كالأم في المنافع ، وكذلك الأرض كالأم (٢) في المنافع ؛ إذ فيها مأوى الخلق ، وقدر فيها أقوات الخلق وأرزاقهم ، ومنها يخرج ما يتخذون منه اللباس.
ثم بالجبال قوام الأرض ، ولولاها لكانت الأرض تميد بأهلها ؛ فخصت هذه الأشياء بالذكر ؛ لما ذكرنا.
ثم قوله : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : على الأمر ؛ أي : فلينظروا.
والثاني : أن يكون على سؤال تقدم منهم لأمر اشتبه عليهم ؛ فنزلت هذه الآية : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ..). إلى آخر الآيات ؛ أي : لو نظروا في هذه الأشياء لكان نظرهم فيها وتفكرهم بها ينزع عنهم الإشكال ، ويوضح لهم ما اشتبه عليهم.
وذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : لما ذكر الله ـ تعالى ـ ما ذكر من نعيم الجنة عجبت قريش ، وقالت : يا محمد ، ائتنا بآية أن ما تقوله حق ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ).
ثم النظر في رفع السموات والتفكر (٣) في خلقها بغير عمد ترونها والنظر والاعتبار في خلق الإبل ونصب الجبال وسطح الأرض ، وهو البسط ـ مما يوجب القول بالبعث ، ويدعو إلى وحدانية الرب تعالى ، وإلى القول بإثبات الرسالة ، وذلك أن الذي كان يحملهم على إنكار البعث هو أنهم كانوا يقدرون الأشياء بقوى أنفسهم ؛ فكانوا يظنون أن القوة لا تبلغ هذا ؛ إذ إحياء الموتى خارج عن وسعهم ، فلو نظروا ، وتفكروا في خلق السموات والأرض ، لعلموا أن قوة الله غير مقدرة بقوى الخلق ، وذلك أن السموات خلقت ورفعت في الهواء بغير عمد ، وأقرت كذلك ، لا تنحدر عن موضعها ، ولا تتصعد ، ولو أراد أحد أن يقر في الهواء ريشة حتى لا تسقط ولا تتصعد (٤) لم يقدر عليه ؛ فيكون في ذلك تنبيه أن قدرته قدرة ذاتية ليست بمستفادة ، وكذلك الجبال ترونها مع شموخها وارتفاعها وصلابتها
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : كالأمر.
(٣) في أ : التذكر.
(٤) في ب : تصعد.