وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) ، أي : يسرى بها ، وفي ذلك كناية عن الجهاد والإغارة بالليل ، كما يذكر في قوله : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً. فَالْمُورِياتِ قَدْحاً. فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) [العاديات : ١ ـ ٣] ؛ فيكون هذا كله إشارة إلى جملة العبادات.
ووجه القسم بالعبادات (١) : أن الله ـ تعالى ـ عظم (٢) أمر العبادات (٣) في قلوب الخلائق ؛ حتى تراهم جميعا يستحسنونها ويعظمون أمرها ، وإنما يقع الاختلاف بينهم في ماهيتها ـ إلا أن يقع التمانع بينهم في أنفسها ـ فأقسم بها.
وجائز أن يكون أريد بالوتر هو الله تعالى ، وأريد بالشفع الخلائق ؛ إذ خلقهم أزواجا ، والله تعالى هو الواحد بذاته ؛ فيكون القسم بذاته وبجميع الخلق.
ويحتمل أنه أريد بالشفع والوتر [الخلائق جملة ؛ إذ فيهم المعنيان جميعا : الشفع ، والوتر ؛ فيكون قسما بجميع الخلائق](٤).
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) يحتمل أن يكون تأويله : أن وجه القسم بهذه الأشياء يعرفه ذوو الحجر ، وهم ذوو الألباب والحجا ، لا أن يعرفه الجهلة.
قالوا : وموضع (٥) القسم على قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).
وجائز أن يكون وقع التنازع فيما بينهم ، وكانوا يزعمون أن أوقات الحج ، وهي الليالي العشر ، والشفع والوتر ، ليس يقسم بها ؛ فقال : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) ، أي : للعاقل إذا تدبر فيها عرف أن هذه الأوقات بالتي (٦) تحتمل أن يقسم بها أو هذه الأوقات بالتي تدلهم على القول بالبعث.
وقيل : إنما أقسم بهذه الأيام ؛ لعظم قدر هذه الأيام وخطرها عندهم ؛ لما فيها من صلاح معايشهم ، ويكون لهم فيها سعة العيش : أما الفقراء بالهدايا والبدن ، وأما غيرهم بأنواع المكاسب والتجارات ؛ فإنهم كانوا يستعدون الأشياء ، ويهيئون من السنة إلى السنة للتجارة في هذه الأيام ؛ فأقسم الله ـ تعالى ـ بهذه الأيام لكونها معظمة عندهم.
وقيل : إن موضع القسم غير مذكور في هذه السورة ؛ لأنه كان على أثر حادثة عندهم معروفة ، استغنى عن ذكرها ؛ لشهرتها عندهم ؛ فأقسم أنها لحق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي
__________________
(١) في ب : بالعادات.
(٢) في ب : أعظم.
(٣) في ب : العادات.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : وموقع.
(٦) في ب : بالذي.