الْبِلادِ) في [ذكر نبأ](١) عاد وثمود وفرعون فوائد ثلاث :
إحداها : في موضع (٢) التخويف لأهل مكة الذين كذبوا رسوله ـ عليهالسلام ـ و [هو](٣) أن أولئك القوم كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا ، وأكثر في القوة من هؤلاء الذين كذبوا محمدا [عليه أفضل الصلوات](٤) ، فلم يغنهم ذلك كله من الله تعالى شيئا ؛ بل الله تعالى انتقم منهم لرسله ـ عليهمالسلام ـ بما كذبوهم ، فما بال هؤلاء الذين كذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم لا يخافون مقته وحلول النقمة بهم بتكذيبهم رسوله ، وليسوا بأكثر من أولئك في العدد والمال والقوة؟!
وفائدة أخرى : أن أولئك كانوا يزعمون أنهم بالله ـ تعالى ـ أولى من محمد عليه الصلاة والسلام وأتباعه ؛ لما بسط لهم (٥) من النعيم ، وضيق على الرسول وأتباعه ؛ فبين أن الذين تقدمهم من مكذبي الرسل كانوا أرفع منهم في القوى والأموال والأولاد والأعداد ، وكانت رسلهم في ضيق من العيش ، ثم كانوا هم أولى بالله تعالى من المكذبين (٦) المفتخرين بكثرة الأعداد والقوى ؛ فبين لهم هذا ليعلموا أن ليس الأمر على ما ظنوا وحسبوا.
والثالثة : أنهم كانوا يمتنعون عن الإيمان بالله تعالى وبرسوله ، وكانوا يقولون : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ؛ فيكون في ذكر هذا نفي التقليد لأولئك ؛ لأنه كان في آبائهم من أهلك بتكذيبهم الرسل ، وهم الفراعنة وأتباعهم ، وفيهم من نجا ، وهم الرسل وأتباعهم المصدقون لهم (٧) ، فما بالهم قلدوا المهلكين منهم دون الذين (٨) نجوا؟!.
ثم الآية لم تسق ؛ لتعرف نسب عاد وثمود وفرعون حتى نشتغل بتعرفه ، وإنما سيقت للأوجه التي ذكرنا ؛ فالاشتغال بتعرف أنسابهم وأحوالهم نوع من التكلف.
وقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) فقوله : (أَلَمْ تَرَ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : قد رأيت ؛ أي : علمت ؛ كما يقال في الشاهد : ألم تر إلى ما فعل
__________________
(١) في ب : ذكرها.
(٢) في ب : مواضع.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : صلىاللهعليهوسلم.
(٥) في ب : عليهم.
(٦) في ب : المكثرين.
(٧) في ب : لا.
(٨) في ب : الذي.