وجائز ألا يثبت الإهانة منهم مع نفي الإكرام ؛ لأن الإيجاب إذا ذكر في مضادة الإيجاب اقتضى (١) ذلك إثبات المقابلة وإذا ذكر الإيجاب في مضادة النفى ، أمكن أن تثبت فيه المقابلة ، وأمكن ألا تثبت ؛ ألا ترى : أنه إذا قيل : فلان جائر ، كان فيه إثبات المقابلة وهي نفي العدل (٢) ؛ لأن [في] قوله : «جائر» إثبات الجور ؛ فكان في ذكره نفي العدالة ، وفيه إثبات المقابلة ، وإذا قلت : ليس بعدل ، لم يكن فيه تحقيق لإثبات المقابلة وهو الجور ، بل يجوز أن يكون جائرا ، ويجوز ألا يكون ، وقد يراد بالنفي إثبات المقابلة أيضا ؛ قال الله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] ؛ فكان في (٣) نفى الربح إثبات المقابلة في أنها خسرت.
ثم إكرام اليتيم هاهنا يحتمل أوجها ثلاثة :
أحدها : أن يكرمه في أن يحفظ عليه ماله حتى لا يضيعه ، ويكرمه في نفسه ، وهو أن يتعاهد أحواله عن أن يدخل فيها خلل.
والوجه الثاني : أن يكرمه ؛ فيعلمه آداب الشريعة ، ويرشده إليها.
والوجه الثالث : أن يكرمه ؛ فيبذل له من ماله قدر حاجته إليه ، ويصطنع إليه المعروف ؛ فيكون التعيير (٤) هاهنا في إهانة اليتيم أن يترك الإكرام الذي هو من باب حفظ ماله ؛ فيكون تضييعا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ، أي : لا يحثون غيرهم على إطعام المساكين.
وجائز أن يحضوا ولا يتولوا بأنفسهم الإطعام.
ويحتمل ألا يتولوا ذلك بأنفسهم ، ويحضوا غيرهم.
ففي هذه الآية ترغيب للمسلمين بإكرام اليتيم وتعاهد ماله ، وتبيين (٥) أن عليهم أن يطعموا بأنفسهم ، وأن يحثوا الأغنياء بإطعام المساكين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) فاللم (٦) : الجمع ؛ يقال : لم المال ؛ إذا جمع ؛ فكأنه يقول : يجمعون ما لم يرثوه بأنفسهم ـ وذلك نصيب الأيتام ـ إلى
__________________
(١) في ب : لاقتضى.
(٢) في ب : القول.
(٣) زاد في ب : ذلك.
(٤) في ب : التغيير.
(٥) في ب : يتبين.
(٦) في ب : فاللمم.