سورة «لا أقسم بهذا البلد»
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(١٠)
قوله ـ عزوجل ـ : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) :
اختلف في قوله : (لا) :
قال بعضهم : (لا) هاهنا في موضع الدفع والرد لمنازعة كانت بين قوم ؛ فدفع الله ـ تعالى ـ المنازعة من بينهم بقوله : (لا) ، وكانت تلك المنازعة معروفة فيما بينهم ؛ فترك ذكرها لذلك ، كما ذكر الجواب في بعض السور ولم يذكر السؤال ؛ لما كان السؤال عندهم معروفا ؛ فترك ذكره ، وهو كقوله : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١] ، وغير ذلك.
ومنهم من يقول بأن حرف (لا) مرة يستعمل في حق الصلة والتأكيد ، ومرة في موضع النفى ، [و] يظهر مراده بما يعقبه من الكلام : فإن كان الذي يعقبه إثباتا ، فهو بحق التأكيد ، وإن كان الذي يعقبه من الكلام نفيا فهو في موضع النفي.
ثم الذي عقبه من الكلام إثبات ، وليس بنفي ؛ فدل أنه في موضع التأكيد ؛ فكأنه قال : لأقسم بهذا البلد ، ثم كان حقه أن يقول : «لأقسمن بهذا البلد» بإثبات النون ، كما يقال : «لأفعلن» ، في اليمين ، لكن نون التأكيد قد تذكر في موضع القسم ، وقد لا تذكر ، قال الله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) [النحل : ١٢٤] ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِهذَا الْبَلَدِ) قالوا (١) : أريد بهذا البلد : مكة ، فأقسم بها بما عظم شأنها بما سبق ذكرنا له ، ولخاصة هي معظمة في أعين أهلها ، ثم كان من عادة الكفرة القسم بكل ما يعظمونه ؛ فعاملهم الله ـ تعالى ـ من الوجه الذي جرت به العادة فيما بينهم ؛ ليؤكد ما قصد إليه بالقسم ؛ [فيزيل عنه](٢) الشبه التي اعترضت لهم.
وقوله : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) :
قال بعضهم : (وَأَنْتَ حِلٌ) : نازلها من الحلول.
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٧٢٢٤) ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٩١) وهو قول مجاهد ، وعطاء ، وغيرهما.
(٢) في ب : ويزيل عنهم.