وقال بعضهم (١) : وأنت حلال بهذا البلد ، والحل والحلال لغتان.
فإن كان على هذا فالحل غير منصرف إلى نفسه ؛ وإنما انصرف إلى ما أحل له ؛ لأنه لا يجوز أن يكون هو بنفسه حلالا أو حراما ؛ فالحل والحرمة إذا أضيفا إلى من له الحل والحرمة فإنما يراد بالحل والحرمة الشيء الذي أحل له ، والشيء الذي حرم عليه ، لا أن يكون الوصف راجعا إلى المضاف إليه ، فإذا قيل : هذا محرم ، أريد به أن الأشياء محرمة عليه ، وإذا قيل : هذا حلال ليس بمحرم أريد به أن الأشياء له حلال ، وإذا أضيفا إلى من لا يخاطب بالحل والحرمة ، أريد بهما عين ذلك الشيء كقوله : هذا لحم حلال أو صيد حلال ، وهذا لحم حرام ؛ فيريد أن ذلك اللحم حلال ، وذلك الصيد حرام أو حلال.
ثم اختلفوا في الذي أحل له :
فمنهم من صرفه إلى القتال ، فقال بأنه أحل له القتال فيها ، وذلك يوم فتح مكة.
ومنهم من قال بأنه أحل له الدخول فيها إذا جاء من الآفاق بغير إحرام ، ولا يحل ذلك لغيره.
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة : «إن مكة حرام ، حرمها الله ـ تعالى ـ يوم خلق السموات والأرض والشمس والقمر ، ووضع هذين الجبلين ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، وهي ساعتي هذه ، هي حرام بحرام الله تعالى إلى يوم القيامة ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد (٢) شوكها ولا ينفر صيدها ، ولا يرفع لقطتها ، إلا من نشدها» ، فقال العباس ـ رضي الله عنه ـ : إلا الإذخر يا رسول الله ؛ فإنه لا غنى لأهل مكة عنه للقبر والبنيان؟ فقال ـ عليهالسلام ـ : «إلا الإذخر» فبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنها قد أحلت له ساعة من نهار.
والحل يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما.
وذكر أبو بكر الأصم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يؤذيه أهل مكة ؛ فيتأذى بهم ؛ فيخرج من بين أظهرهم ؛ فيحل له الصيد في ذلك الوقت.
ولكن لا يسع صرف التأويل إلى هذا ؛ إذ لا يعرف مثل هذا إلا بالخبر والنقل.
ثم في قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم على لسان العباس ـ رضي الله عنه ـ : «إلا الإذخر» دلالة أن
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٧٢٣١) ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٩١) وهو قول مجاهد وقتادة وعطاء وغيرهم.
(٢) في ب : يعقد.