أي : بينا له ما عليه ، وما له ، وما يحمد عليه ، وما يذم ، وما يقبح ويجمل ، والنجد : الطريق ، فبين [للخلق](١) الطريقين جميعا : طريق الخير والشر ، ومكنهم من الفعلين جميعا.
وقال بعضهم (٢) : النجدان : الثديان ، أي : هديناه الثديين في حالة الإرضاع.
ولكن التبيين والهداية لم ينصرف إلى هذا خصوصا ، بل هذا من بعض ما هداه وبينه ، فقد بين له غيره من الأمور ، ولا قيد في اللفظ ؛ فيحمل على الإطلاق والعموم.
قوله تعالى : (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ)(٢٠)
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) :
قيل : فيه من وجهين :
أحدهما : فهلا اقتحم العقبة.
والثاني : أنه لم يقتحم.
فإن كان على الأول ، فمعناه : أن الذي قال : أنفقت مالا لبدا ، كيف لا كان إنفاقه في فك الرقبة ، وفي الإنفاق على اليتيم والمسكين الذي بلغ به الجهد إلى أن ألصق (٣) بالتراب؟ ويكون من جملة من آمن بالله ـ تعالى ـ وتواصى بالصبر والمرحمة ؛ ليكون من أصحاب الميمنة ، ويكسب بذلك الحياة الطيبة في الآخرة دون أن تكون العاقبة في الملاهي وشهوات النفس ؛ فلم يحصل لنفسه حمدا ولا أجرا في العقبى ، بل صار من أصحاب المشأمة ، فيكون ما بعد قوله : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) [البلد : ٦] صلة له وتفسيرا.
وإن كان التأويل على النفي ، ففيه تكذيبه فيما زعم أنه أنفق مالا لبدا ، فيقول : لو كان على ما يظن ، لظهر ذلك ، بفك الرقاب والمواساة على اليتيم وعلى المسكين الذي هو ذو متربة ؛ فيكون هذا كله صلة قوله ـ عزوجل ـ : (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أيضا.
ثم قيل في العقبة من وجهين :
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٧٣٠٦) ، وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٩٥).
(٣) في ب : لصق.