مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) [النور : ٢١] ، وقال ـ تعالى ـ : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ ..). [يونس : ٥٨] ، فبين الله ـ تعالى ـ أنه هو الذي تفضل بتزكية من زكا.
وجائز أن يصرف إلى العبد ؛ فيكون قوله : (زَكَّاها) ، أي : صاحبها ، وكذلك قوله : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) يحتمل هذين الوجهين ؛ فيكون الله ـ تعالى ـ هو الذي أنشأ فعل الضلال ؛ فيكون الفعل من حيث الإنشاء من الله تعالى ، ومن حيث العمل (١) من العبد.
ثم قوله : (مَنْ دَسَّاها) ، أي : أخفاها ، وإخفاؤها (٢) : أنه صيرها بحيث لا تذكر في المحافل إلا بالذم ، وزكى الأخرى ، أي : أظهرها حتى ينظر إليها الناس بعين التبجيل والتعظيم.
وهكذا شأن المتقي أن يكون مبجلا معظما فيما بين الخلق ، والفاجر يعيش مذموما مهانا فيما بين الخلق.
أو يرجع الإظهار والإخفاء إلى الآخرة : فيجلّ قدر المتقي المزكي ، ويخمل ذكر الفاجر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (دَسَّاها) من «دسّست» ، فأسقط السين ، وأبدل مكانها الياء.
ثم الإضافة في قوله : (دَسَّاها) إلى الله ـ تعالى ـ على خلق ذلك الفعل منه ، وفي قوله : (مَنْ زَكَّاها) على التوفيق.
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها)(١٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) :
ولم يبين لمن كذبوا ، وقد بينه في آية أخرى فقال : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٤١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (بِطَغْواها) يحتمل وجهين :
أي : لأجل معصيتها وطغيانها ؛ إذ الحامل لهم على التكذيب طغيانهم وتركهم التفكر في أمره ؛ وإلا لو تفكروا فيما جاءهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم [لم يجدوا](٣) موضع التكذيب.
والثاني : بأهل طغواها ، أي : كذبت ثمود بسبب أهل الطغيان ؛ فيكون في هذه الآية
__________________
(١) في ب : الفعل.
(٢) في ب : وإحصاؤها.
(٣) في ب : لم يكون يجدون.