على البلوغ ؛ لأنه لا نهاية لأكثر الطهر ، وأما الحيض فإنه له غاية معلومة ؛ لأن أيامها لا تخلو إما أن تكون عشرا أو دون العشر ، فإن كان عشرا فيعرف بالعد ، وإن كان دون العشر فإن دمها إذا انقطع راجعها قبل أن تغتسل ، وذلك وقت إشراف أجلها على البلوغ ، والأطهار ليس يتحقق فيها المعنى الذي وصفنا ، والله أعلم.
ثم قال هاهنا : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ؛ فدل الأمر بالإمساك في الظاهر أنها ما دامت في العدة ، فهي على ملكه ، وقال في موضع آخر : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) [البقرة : ٢٢٨] ؛ فدل على أنه قد وقع شيء من الزوال حتى أمره بردها ؛ فيكون حجة للشافعي في أن الطلاق الرجعي يحرم الوطء ، ولكن المعنى (١) عندنا في هذا ـ والله أعلم ـ : أنا قد عرفنا بقوله : (أَوْ فارِقُوهُنَ) بعد وجود الطلاق المتقدم : أنه لم يرد به الفرقة للحال ، ولكن معناه : اتركوهن حتى تنقضي عدتهن ، فتفارقوهن ؛ فثبت أنه قد وقع شيء من شبهة الفراق بالطلاق ، وهو أن صار الفراق مستحقّا لازما حال انقضاء العدة ؛ فيكون له عرض الوجود للحال ، فقال : (فَأَمْسِكُوهُنَ) على إبقائهن على أصل الملك ، وقال : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] في ذلك ؛ لرفع تلك الشبهة الواقعة بالطلاق ؛ وهذا على سبيل ما قال تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ* رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٢٦ ، ٢٢٧].
وكان الفيء هو الرجوع ، ومعلوم أنه لم يقع بالإيلاء شيء من الفرقة ، ولكن لما كان الإيلاء موجبا للبينونة في العقد ، أوجب في الحال شبهة الفرقة ، وهو استحقاق الزوال ، فذكر الفيء ؛ لرفع تلك الشبهة ؛ وكان تركها منه لا يفيء إليها عزم منه على الطلاق ، فكذلك الأول والله أعلم.
والمعروف إذا صنع إليك إنسان صنيعة ، فعرفتها واستحسنتها ، فهو معروف ، وما دفعته وأنكرته ، فليس بمعروف.
أو هو الذي عرّفنا الله ـ تعالى ـ من المراجعة والمفارقة.
ثم المعروف في الحقيقة ما تطمئن إليه القلوب وتسكن عنده الأنفس.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ).
دل قوله ـ تعالى ـ : (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) أن قد يكون منا فساق ، وأن الفسق لا يخرجه من الإيمان ، وكذلك قوله : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) [البقرة : ٢٨٢] فثبت أن قد يكون منا من لا يرضى ، وأن خروجه ممن يرضى لا يخرجه من الإيمان.
__________________
(١) في أ : المعتمد.