وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ).
حيث أضافها إلى نفسه هو أنه لا بد في الشهادة من نفع يقع لأحد الخصمين ، وضرر يرجع إلى الآخر ، فكأنه (١) قال : لا ينظر بعضكم إلى رضا من تنفعه الشهادة وإلى سخط من تضره ، ولكن اجعلوها لله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
الموعظة وإن كانت لمن يؤمن ولمن لا يؤمن ، فالمعنى في هذا : ذلكم يتعظ بما يوعظ [به](٢) من كان يؤمن بالله واليوم الآخر كما كان المعنى (٣) من قوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] أي : إنما ينتفع بالإنذار من يتبع الذكر ، وكما كان في قوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [البقرة : ١٢١] ، أي : ينتفعون بتلاوته فكذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله : (يُوعَظُ بِهِ).
أي : بما أمر فيما تقدم من الآيات من الطلاق للعدة ، والنهي عن إخراجهن من البيوت والإنفاق عليهن ، ونحوه إنما يوعظ به ـ أي : يأخذ بما أمر به ، ونهي عنه في هذه الآيات ـ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً).
قد بينا أن التقوى إذا ذكر مفردا انتظم الأوامر والنواهي ، وإذا ذكر معه البر والإحسان ، صرف التقوى إلى معنى ، والبر إلى معنى ، وذكر في هذا الموضع مفردا ؛ فجاز أن ينتظم الأوامر والنواهي ، ثم جاز أن يكون المعنى من قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فيما بين له من الحدود ، فلم يضيعه ، (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) فيما لم يبين له ، وفيما اشتبه من الحد.
أو يجوز أن يكون المعنى من قوله (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ، أي : يجاهد (٤) فيما أمره ونهاه ، يجعل له مخرجا في أن يهديه ، ويبين له السبيل ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩].
قال : ويجوز أن ينال من يلزم التقوى خير الدنيا والآخرة ؛ لأن الله تعالى ذكر التقوى ، وما يليه بألفاظ مختلفة ، فقال في موضع : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) وقال : في موضع آخر (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ، وفي موضع آخر (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) وفي موضع آخر (إِنَ
__________________
(١) في أ : فكأنما.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : المعتمد.
(٤) في أ : الجاحد.