اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل : ١٢٨] ، أي : إن الله مع الذين اتقوا في النصرة والمعونة أو التوفيق والعصمة ، ومن نصره الله ـ تعالى ـ فلا يغلبه أحد ، ومن يعصمه الله تعالى فلا يضله أحد ، وإذا نال هاتين الخصلتين ، فقد نال خير الدنيا والآخرة.
أو يجوز أن يكون قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) يعني : يتقي عقابه ، يجعل له مخرجا (١) من الشدة في الدنيا وعن سكرات الموت وغمراته وعن شدائد الآخرة وأهوالها.
ويجوز أن يكون قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) في مكاسبه ، يجعل له مخرجا من الشبه والحرمات فيسلم منها.
أو يجوز أن يكون قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فيما بين له من الحدود في هذه الآيات المتقدمة ، فحفظها من صحبة النساء على ما أمر به ، (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) مما أهمه من ناحيتهن ، (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يجوز أن يكون هذا فيما بين له من الحدود إذا حفظها أن يرزقه ما وصفنا من المرأة والمال.
ويجوز أن يكون هذا في جميع الأمور من المكاسب والتجارات ؛ لأن التجار يظنون أنهم إنما يرزقون الفضل والربح ؛ لما يدخلون فيها من الشبه والحرمات ، وأنها إذا نفيت من تجاراتهم لا يرزقون مثل ذلك ؛ فأخبر ـ جل ثناؤه ـ أنهم إذا اتقوا في تجاراتهم تلك الشبه والحرمات ، رزقهم من حيث لم يحتسبوا.
أو يجوز أن يكون هذا خطابا للكفرة ؛ وذلك أنهم كانوا يخافون أنهم إذا آمنوا [برسول الله صلىاللهعليهوسلم](٢) حرموا من الرزق ، وابتلوا بالضيق ، ألا ترى إلى قوله : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا.). الآية [القصص : ٥٧] فكأن الله ـ تعالى ـ أمنهم عما يخافون بسبب الإسلام ، وأخبرهم أنهم إذا وحدوا الله تعالى وآمنوا برسوله ، رزقهم من حيث لم يحتسبوا ، ووسع عليهم الرزق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).
يجوز أن يكون معناه : أي : من يعتمده في كل نائبة ، ويفوض إليه كل نازلة.
والوكيل : هو الموكول إليه الأمور.
وقيل الوكيل : هو الحافظ ؛ فكأنه قال : ومن يعتمد على الله فيما نابه كفى به وكيلا موكولا إليه أمره ، وكفى به حافظا وناصرا ومعينا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ).
__________________
(١) زاد في ب : وفي نسخة : من الشبه في الدنيا.
(٢) في ب : بالرسول عليهالسلام.