أي : فيما أخبر من حكمه ووعده ووعيده : أن ينزل بهم.
ويجوز أن يكون (بالِغُ أَمْرِهِ) ، أي : مبلغ ما أمر رسوله بتبليغه إلى آخر عصابة [تكون من أمته](١) في تسخيرهم ؛ ليصيروا كأن الرسول بلغهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
قال الحسن : [جعل] لكل شيء من أعمال (٢) العباد قدرا وثوابا في الآخرة.
والوجه عندنا : قد جعل الله لكل شيء مما كان ويكون إلى يوم القيامة من حسن وقبيح في الحكمة قدرا ؛ ألا ترى إلى أفعال العباد أنها كيف تخرج عن تدبيرهم من زمان إلى زمان ومكان ونحو ذلك ؛ ليعلم أن الله ـ تعالى ـ هو الذي قدر ذلك المكان والزمان والفعل ، حتى خرج فعل هذا العبد عن تقديره الذي قدره ، والله أعلم.
وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وجه آخر ، وهو أنه لو جعل جميع الرزق من حيث لا يحتسب ، جاز ؛ لأن الرزق في الحقيقة هو الذي يتقوى به الإنسان ويتغذى به ، وليس ذلك في عين الأكل والشرب ، ولكن فيما يتفرق من قوة الطعام والشراب في الأعضاء ، وذلك باللطف من الله تعالى ، فثبت أن قوة الأكل والشرب إنما تصل إلى الأعضاء من حيث لا يحتسب الإنسان ، والله أعلم.
ثم ليس في قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) تخصيص أن من لا يتقيه لا يرزقه من حيث لا يحتسب ؛ لأنا قد نرى في الشاهد من يرزق من حيث لا يحتسب اتقاه أو لم يتقه ؛ فثبت أن فائدة التخصيص ليس نفي غير المذكور ، ولكن فائدة تخصيص المتقي بالذكر هو أنه يرزقه من حيث يطيب له ، ولا يلام عليه ، وليس ذلك في غير المتقي ، والله المستعان.
ثم ليس في قوله : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ما يدل على ترك الأسباب ، ولكن لما رأى الناس يفزع بعضهم إلى بعض ويستغيث بعضهم ببعض ، أمرهم أن يجعلوا المقصد والمفزع إلى الله تعالى ، وأن يصيروا هذه الأسباب كلها محنة عليهم ، لا أن يروا أرزاقهم معصومة متعلقة (٣) بها ، ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) [الجمعة : ١٠] كيف أمر بإدراك فضله من تلك التجارة ؛ فثبت أن هذه المكاسب كلها (٤) أسباب للخلق ، بها يتوصلون إلى فضل الله تعالى ، وأن المقصد والمفزع فيها إلى الله
__________________
(١) في أ : يكون أمر منه.
(٢) في أ : أفعال.
(٣) في أ : مقصودة معلقة.
(٤) في أ : بها.