وقال بعضهم (١) : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ، أي : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها.
وقيل ـ أيضا (٢) ـ : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر لأصحابه أن رجلا من بني إسرائيل جاهد ألف شهر في سبيل الله ؛ فعظم ذلك عليهم ؛ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ، أي : العمل فيها خير من جهاد ذلك الرجل [في](٣) ألف شهر.
ويحتمل أن يكون ذكر ألف شهر على سبيل التمثيل ، لا على التوقيت ، أي : خير من ألف شهر وأكثر ؛ إذ التقدير قد يكون لبيان العدد نفسه (٤) ، وقد يكون لبيان شرف ذلك الشيء وعظمته ؛ فلا يكون الغرض هو القصر على العدد ، وهو كقوله : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [التوبة : ٨٠] ، ونحو ذلك.
ثم اختلف في تسمية ليلة القدر :
قال بعضهم (٥) : هي ليلة الحكم والقضاء ، فيها يحكم ويقضي ما يريد أن يكون في ذلك العام المقبل ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان : ٤].
أو سميت : ليلة القدر (٦) ؛ لأنها ليلة لها قدر ومنزلة عند الله تعالى ؛ لما يوصف الشيء العظيم بالقدر والمنزلة.
وسميت : ليلة مباركة ؛ لأنه تنزل فيها البركات والرحمة من الله ـ تعالى ـ على خلقه.
أو سميت : مباركة ؛ لكثرة ما يعمل فيها من العبادات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلامٌ ...) : قال بعضهم (٧) : الروح هاهنا : جبريل ـ عليهالسلام ـ كقوله ـ تعالى ـ : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) [الشعراء : ١٩٣].
وقال [بعضهم](٨) : خلق موكلون بالملائكة ، كما أن الملائكة موكلون ببني آدم.
وجائز أن يكون الروح هاهنا هو الرحمة ، أي : تنزل الملائكة بالرحمة فيها ، على ما
__________________
(١) قاله مجاهد ، وعمرو بن قيس أخرجه ابن جرير عنهما (٣٧٧١٠ ، ٣٧٧١١).
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٧٧١٣) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٢٩).
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : نفسها.
(٥) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٧٧٠٥ ، ٣٧٧٠٦) ، وعبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، ومحمد بن نصر ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٢٨).
(٦) زاد في ب : ذلك.
(٧) قاله الضحاك أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٣٠).
(٨) في ب : الروح.