[سورة البينة ، وهي مدنية](١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)(٨)
قوله ـ عزوجل ـ : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) :
ذكر في حق أهل الكتاب : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بحرف (مِنْ) ، وهو للتبعيض ، ولم يقل : «أهل الكتاب» ، وذكر في حق أهل الشرك (٢) : (وَالْمُشْرِكِينَ) ؛ لأن أهل الكتاب كانوا فرقا : منهم من كان آمن برسول الله صلىاللهعليهوسلم من قبل أن يبعث ، فلما بعث كفروا به ، ومنهم من كان كافرا به ، فلما بعث آمن به ، فلزم الإيمان به ، ومنهم من كان كافرا به ، فلما بعث ، وأرسل ، لزم الكفر به ، ولم (٣) يؤمن ، فلما كانوا أصنافا وفرقا ؛ لذلك قال : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) بحرف «من».
وأما المشركون : فإنهم كانوا صنفا واحدا ، ثم لم يبين : أنهم إذا أتاهم البينة ينفكون أو لا؟.
وجائز أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (لَمْ يَكُنِ ..). إلى قوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) ، أي : لم يكن بعض أهل الكتاب وبعض المشركين منفكين من الكفر ؛ لأنه عطف المشركين على أهل الكتاب ؛ كأنه قال : من أهل الكتاب ومن المشركين ؛ ولذلك خفض المشركين ، ولم يقل : «والمشركون» ، بل كانوا أهل كفر وشرك إلى آخر عمرهم ، وإن أتتهم البينة ، والبينة : هي ما في خلقة كل أحد مما يدل على ألوهيته ووحدانيته.
ويحتمل أن بعضا من الفريقين على الشرك حتى تأتيهم البينة ، وهي معاينة العذاب عند
__________________
(١) في ب : ذكر أن سورة (لَمْ يَكُنِ) مدنية.
(٢) في أ : الكتاب.
(٣) في ب : ولو لم.