تعالى ، والله أعلم.
ثم اختلفوا في العدة :
فمنهم من قال : هي استبراء الرحم.
ومنهم من قال : هي عبادة تتبع النكاح الذي استوفي فيه المقصود بالنكاح ، وهذا القول عندنا أصوب ؛ لأوجه :
أحدها : أن الاستبراء واجب في حق السنة والأدب قبل الطلاق ؛ فإن من أراد أن يطلق امرأته فالواجب عليه أن يستبرئها بحيضة ثم يطلقها ، وأما العدة فإنها لا تجب إلا بعد الطلاق ، فثبت أنها على ما ذكرنا من العبادة التي تتبع النكاح الذي استوفي فيه المقصود (١) ، والله أعلم.
ومعنى آخر : وهو أن العدة لو كانت استبراء ، لكانت تكتفى بالحيضة الواحدة ، فلما قرنت بالعدد ، وفي الواحدة مندوحة عما سواها في حق الاستبراء ، ثبت أنها على الوجه الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ).
هذا يدل على أن المراد من الأقراء الحيض ؛ وذلك لأن الأصل عندنا في الأصول [أن الشيء](٢) متى ذكر باسم مشترك ، ثم جرى البيان له عند ذكر البدل باسم خاص ؛ دل على أن المراد من الاسم المشترك هذا الاسم الخاص المذكور عند البدل ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] وكان اسم الغسل مشتركا يتناول الماء وكل مائع ، فلما قال عند ذكر البدل : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) [النساء : ٤٣] ، تبين أن المراد من ذلك الاسم المشترك هو هذا الاسم الخاص المذكور عند البدل ، فكذلك الأول ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ).
اختلفوا في قوله : (إِنِ ارْتَبْتُمْ) : أنه أريد به : إن ارتبتم في حيضهن أو في عدتهن؟ وعندنا الارتياب في عدتهن ؛ لأنه لو كان المراد منه الارتياب في حيضهن ، لكان من حق الكلام أن يقول : «إن ارتبتن» أو يقول : «واللائي ارتبن» ليكون منسوقا على قوله : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) فلما قال : (ارْتَبْتُمْ) ثبت أن المراد : إن ارتبتم في عدة الآيسات والصغائر ، فهي ثلاثة أشهر ، والله أعلم.
أو لأن المرتابة إذا رأت الحيض (٣) ارتفع ريبها ، وصار عدتها بالحيض ، وخرجت من العدة بالشهور ، وأما الآيسة والصغيرة ؛ فإنه لا يتوهم عليهما ارتفاع الإياس والصغر ؛
__________________
(١) زاد في أ : أن الاستبراء واجب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : الحيضة.