وجائز أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) ، أي : أحكام كثيرة مستقيمة ؛ على ما توجبه (١) الشريعة والحكمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) :
يقول أهل التأويل : إنما تفرقوا من بعد ما جاءتهم البينة ، وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو بكر : هذا التأويل خطأ ؛ لأنهم كانوا متفرقين قبل ذلك ؛ فلا معنى لهذا.
وعندنا : ليس كما توهم هو ، وهو يخرج على وجهين :
أحدهما : وما تفرقوا في محمد صلىاللهعليهوسلم إلا من بعد ما جاءهم (٢) العلم به ، عند ذلك تفرقوا فيه ، فأما قبل ذلك ، كانوا مجتمعين (٣) فيه كلهم.
أو ما تفرقوا في الدين والمذهب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ، أي : عن بيان وعلم تفرقوا في الدين ، وفيما تفرقوا فيه ، وهو ما جعل في خلقة كل أحد دلالة التوحيد والربوبية له ما لو تفكروا ، لعرفوا بأن الله ـ تعالى ـ واحد ، والبينة تحتمل من هذا الموضع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن ، ونفس الخلقة على ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) :
أي : ما أمر أوائلهم وأواخرهم في تلك الكتب إلا ليعبدوا الله ـ تعالى ـ ولا يعبدوا من دونه.
أو ما أمروا إلا ليجعلوا الألوهية لله والوحدانية له.
ودل قوله : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) على أن تأويل قوله ـ تعالى ـ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] على إضمار الأمر ، أي : إلا ليأمرهم بالعبادة على كل حال ؛ لأنه لو خلقهم للعبادة ما قدروا [على] غيره.
أو (٤) أن يكون قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) على الخصوص ، خلق من علم أنه يعبده للعبادة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) : إخلاص الدين له يخرج على وجهين :
أحدهما : أن يخلص له الدين ، ويصفي ، لا يشرك فيه غيره ، ويكون من خلوصه وصفائه.
والثاني : الدين الخالص هو الدائم ، كقوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ..). [النحل : ٥٢] ،
__________________
(١) في أ : يوجب.
(٢) في ب : جاءتهم.
(٣) زاد في أ : به.
(٤) في ب : و.