سورة العصر (١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ)(٣)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ، خرج قوله : (وَالْعَصْرِ) مخرج القسم ، والقسم موضوع في الشاهد ؛ لتأكيد ما ظهر من الحق الخفي ، أو لنفي شبهة اعترضت ، أو دعوى ادعيت ؛ فكذلك في الغائب.
ثم الأصل بعد هذا : أنه ليس في جميع القرآن شيء مما وقع عليه القسم إلا إذا تأمله المرء واستقصى فيه ، وجد فيه المعنى الذي أوجبه القسم لو لا القسم.
ثم اختلفوا في تأويل قوله : (وَالْعَصْرِ) :
فمنهم من قال : هو الدهر والزمان.
ومنهم من قال (٢) : هو آخر النهار ، فذلك وقت يشتمل على طرفي النهار ، وهو آخر النهار وأول الليل ؛ فكأنه أراد به : الليل والنهار.
وقال أبو معاذ : تقول العرب : «لا أكلمك العصران» ، يريدون : الليل والنهار ، وفي مرور الليل والنهار مرور الدهور والأزمنة ؛ لأنهما يأتيان على الدهور والأزمنة وما فيهما ؛ فكان في ذكر الليل والنهار ذكر كل شيء ، والقسم بكل شيء قسم بمنشئه ؛ لأن كل شيء من ذلك [إذا] نظرت فيه ، دلك على صانعه ومنشئه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ، إن الدنيا وما فيها كأنها خلقت وأنشئت متجرا للخلق ، والناس فيها تجار ؛ كما ذكره في غير آي من القرآن ، قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة : ١١١] ، وقال : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الصف : ١٠] ، أي : إن الإنسان لفي خسار من تجارته ومبايعته (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ..). الآية.
ولقائل أن يقول : كيف استثنى أهل الربح من أهل الخسران ، ولم يستثن أهل الخسران (٣) من أهل الربح؟! فيقول : «إن الإنسان لفي ربح إلا الذين كفروا» ، واستثناء هذه الفرقة من تلك أولى في العقول من تلك؟!
__________________
(١) في ب : والعصر.
(٢) قاله ابن عباس بنحوه أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٦٧).
(٣) في ب : الخسر.