[سورة الفيل ، وهي مكية](١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(٥)
قوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) ، اختلفوا في السبب الذي به وقع القصد من أصحاب الفيل إلى تهديم البيت وتخريبه :
فمنهم من قال (٢) : إنهم اتخذوا بيتا في بلادهم ، وسموه : كعبة ؛ لكي ينتاب الناس إليه كما ينتابون إلى الكعبة ، فأبى الناس إتيان ذلك البيت ؛ فغاظهم ذلك حتى قصدوا [تهديم البيت](٣).
ومنهم من قال : إن العرب حرقوا بيعة كانت لهم ، وخربوها ؛ فغاظهم ذلك حتى أرادوا تهديم هذا البيت ؛ جزاء بما فعلت العرب بهم.
ومنهم من قال : إنهم كانوا ملوكا وفراعنة ، ومن عادتهم أنهم يعادون من ضادهم في ملكهم وسلطانهم.
وأي ذلك كان ، فلا حاجة إلى معرفته ، وإنما حاجتنا إلى تعريف المعنى الذي به أنزلت السورة وثبتت.
وتأويل ذلك يخرج على أوجه ثلاثة :
أحدها : أن الله ـ تعالى ـ ذكرهم تلك النعمة التي أنعمها عليهم في صرف من أراد إهلاكهم (٤) ؛ فإنهم كانوا قصدوا قتل أهل مكة ، وسبي نسائهم وذراريهم ، وأخذ أموالهم ؛ فذكرهم الله ـ تعالى ـ جميل صنعه بهم ؛ ليشكروا له ، ويعبدوه حق عبادته ، وينزجروا عن عبادة غيره.
والوجه الثاني : أن الله ـ تعالى ـ خوف أهل مكة.
ووجه ذلك : أن الله ـ تعالى ـ لما أهلك أصحاب الفيل بما ضيعوا حرمة بيته ؛ فلا يأمن أهل مكة من إهلاكه إياهم وتعذيبهم بما (٥) ضيعوا حرمة [رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٦) مع أن
__________________
(١) في ب : ذكر أن سورة الفيل مكية.
(٢) روي ذلك عن ابن إسحاق أخرجه ابن جرير (٣٧٩٨٩).
(٣) في ب : بهدم هذا البيت.
(٤) في ب : هلاكهم.
(٥) في ب لما.
(٦) في ب : رسوله عليهالسلام.