ولأن (١) عدة الوفاة لم تلزم لوطء متقدم ؛ ألا ترى أنها قد تلزم من لم يكن زوجها من أهل الوطء ، وأما عدة الحبل والحيض ، إنما لزمت لوطء (٢) متقدم ، وإذا لم تكن عدة الوفاة من جنس العدة بالحبل ، لم تدخل في عدة الحبل فلا نوجب فيها الاحتياط ، وذلك في الاعتداد بأبعد (٣) الأجلين.
ثم التخصيص بذكر الإنفاق على الحوامل يحتمل أن يكون بمعنى أنها في الحقيقة لا تدخل في قوله : (لا تُخْرِجُوهُنَ) ؛ لأنا قد وصفنا أنها إنما نهيت ؛ لتحصين ماء الزوج ، وإذا مضت تسعة أشهر ، فقد خرجت عن التحصين ، فكان الواجب أن تسقط النفقة بعد التسعة ، لكن الله تعالى حث على الإنفاق في جميع المدة ؛ لأنها لا محالة إنما بقيت في هذه المدة ؛ لوطئه المتقدم ؛ فلذلك حث الله تعالى في الإنفاق على الحوامل فيما يقع عندنا ، والله أعلم.
وأما ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فإنه يجوز أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) عنده مبتدأ خطاب ، ليس بمعطوف على قوله : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ) ؛ لأنا نعلم أنه لا يجوز أن يقع الارتياب فيمن تحتمل القروء ؛ وذلك لأن الأشهر في الآيسات إنما أقيمت مقام الأقراء في ذوات الحيض ، وإذا كانت الحامل ممن تحتمل القروء لم يجز أن يقع لهم شك في عدتها ؛ ليسألوا عن عدتها.
وإذا كان كذلك ، ثبت أنه خطاب مبتدأ ، وإذا كان خطابا مبتدأ تناول العدد كلها ، ومما يدل على أنه مبتدأ خطاب ما روي في خبر سبيعة بنت الحارث الأسلمية : أنها وضعت بعد وفاة زوجها بخمس عشرة ليلة ، فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تتزوج ؛ فدل إباحته النكاح قبل مضي أربعة أشهر وعشر على أن عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل في جميع الأحوال.
وقال الحسن : إن الحامل إذا وضعت أحد الولدين ، انقضت عدتها ، واحتج بقوله : (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ)(٤) ، ولم يقل : «أحمالهن» ؛ ولكن لا يستقيم ما قاله ؛ لوجهين أحدهما : أنه قرأ في بعض القراءات أن يضعن أحمالهن.
والثاني : أنه قال : (أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) ، ولم يقل : «يلدن» ، بل علق بوضع حملهن ، والحمل (٥) اسم لجميع (٦) ما في بطنهن ، ولو كان كما قاله ، لكان عدتهن بوضع
__________________
(١) في ب : وأن.
(٢) في أ : الوقت.
(٣) في ب : بأحد.
(٤) أخرجه عبد الرزاق بنحوه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٣٦١).
(٥) في أ : والحامل.
(٦) في ب : بجميع.