سورة لإيلاف [قريش](١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)(٤)
قوله ـ عزوجل ـ : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) ، هذا يخرج على وجوه :
أحدها : ما قال الفراء : إن اللام لام الاعتدال ؛ لأن السورة صلة لسورة (أَلَمْ تَرَ) ، قال : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥] ، (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ؛ كأنه يقول : أهلكت أصحاب الفيل ، وفعلت بهم ما فعلت لتألف قريش بذلك المكان كما ألفوا به الرحلتين اللتين جعلتا لهم في الشتاء والصيف.
والثاني : يحتمل أن يقول : ألزمت الخلق عبادة رب هذا (٢) البيت حتى ألفوا ذلك البيت ، وحملوا ما تحتاج إليه قريش ، وأهل ذلك المكان من الطعام ، وما يتعيشون به ؛ لتألف (٣) قريش بعبادة رب ذلك البيت ما لو لا ذلك لم يتهيأ لهم المقام بذلك المكان ؛ لأنه لا زرع فيه ، ولا نبات ، ولا ما يتعيش به ، وهو كما قال إبراهيم ـ عليهالسلام ـ : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) [إبراهيم : ٣٧] ، وإنما تعيشهم في ذلك المكان بما (٤) يحمل إليهم من الآفاق والأمكنة النائية ؛ كقوله : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا ...) الآية [القصص : ٥٧].
وقال بعضهم : أمرت (٥) قريش بأن يألفوا عبادة رب هذا البيت كإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ؛ يقول : كما ألفتم هاتين الرحلتين ، فألفوا عبادة رب هذا البيت.
وقال بعضهم : إن أهل مكة كانوا يرتحلون تجارا آمنين في البلدان ، لا يخافون شيئا ؛ لحرمتهم ؛ لأن الناس يحترمونهم لمكان الحرم ، حتى لا يتعرض لهم بشيء ، ولا يؤذيهم أحد حتى إن كان الرجل منهم ليصاب في حيّ من الأحياء ؛ يقال : هذا حرمي ؛ فيخلى عنه ، وعن ماله ؛ تعظيما لذلك المكان ، وهو ما قال : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : هذه.
(٣) في ب : لتأليف.
(٤) في ب : لما.
(٥) في ب : أقرت.