سورة الماعون
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ)(٧)
قوله ـ عزوجل ـ : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) ، اختلف في نزوله :
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ هي مدنية.
وقال مقاتل ومجاهد وجماعة (١) : هي مكية.
وجائز أن يكون أولها نزل بمكة ؛ لأن الذي ذكر أنها نزلت في شأنه كان مكيا ، وهو العاص بن وائل السهمي مع ما أنهم هم الذين يكذبون بيوم الدين ، وآخرها نزل بالمدينة ؛ لأن في أواخرها وصف المنافقين ، وهو ما ذكر من المراءاة في الصلاة ، ومنع ما ذكر.
ثم إن كان نزولها في الكفرة ، فالجهة فيه والمعنى غير الجهة والسبب لو كانت نزلت في المنافقين.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (أَرَأَيْتَ) حرف يستعمل في موضع السؤال والاستفهام.
ويجوز أن يكون استعماله على وجه التقرير عند السائل ؛ لما يراد به إعلامه ؛ على سبيل ما روي في الخبر : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أما قبل منك؟» (٢) ، وكان ذلك في موضع التقرير ؛ فكذلك قوله : (أَرَأَيْتَ) ، معناه ـ والله أعلم ـ : أن اعلم أن الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين هو الذي يكذب بالدين.
قال أهل التأويل جميعا : (يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) ، أي : بالحساب ، والبعث.
وجائز أن يكون يكذب بالدين الذي يظهر ، أي : يكذب بالدين الذي أظهر لك.
ولا نحقق أن كان في المنافقين ؛ لأن أهل النفاق كانوا يكذبون ما يظهرون (٣) من الموافقة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين.
وإن كان في أهل الكفر ، فهو على الرؤساء منهم ؛ فتكذيبهم بالدين هو ما كانوا يظهرون لأتباعهم من الجهد والشدة ، يموهون بذلك على أتباعهم ؛ ليقع عندهم أن الذي هم عليه
__________________
(١) وهو قول ابن عباس ، وابن الزبير أخرجه ابن مردويه عنهما كما في الدر المنثور (٦ / ٦٨٢).
(٢) أخرجه البخاري (٤ / ٢٢٧) كتاب الصوم ، باب : من مات وعليه صوم (١٩٥٣) ، ومسلم (٢ / ٨٠٤) كتاب الصيام ، باب : قضاء الصيام عن الميت (١٥٦ ـ ١١٤٨) عن ابن عباس بنحوه.
(٣) في أ : يظهر.