[سورة «إنا أعطيناك الكوثر»](١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(٣)
قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) هذا خرج مخرج الامتنان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والإنعام عليه والإفضال ؛ ليستأدي بذلك شكره والخضوع له.
ثم اختلفوا (٢) في (الْكَوْثَرَ) :
[فقيل] : هو الخير الكثير ، والخير الكثير : ما أعطي من النبوة والرسالة وما لا ينجو أحد من سخط الله ـ تعالى ـ إلا به ، وهو الإيمان به والتصديق له ، وما صيره معروفا مذكورا في الملائكة ، وما قرن ذكره بذكره ، ورفع قدره ومنزلته في جميع الخلائق ، وغير ذلك مما لا يحصى ، وهو ما قال : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح : ٤].
وقال بعضهم (٣) : (الْكَوْثَرَ) : نهر في الجنة ، وعلى ذلك جاءت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن (الْكَوْثَرَ) فقال : «نهر في الجنة» ، أو قال ذلك من غير سؤال.
فإن ثبتت الأخبار فهو ذاك كفينا عن ذكره ، وإن لم تثبت الأخبار فالوجه الأول أقرب عندنا ؛ لأنه ليس في إعطائه النهر تخصيص في التشريف والعطية ؛ لأن الله ـ تعالى ـ وعد لأمته ما هو أكثر من هذا ؛ لما روي في الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن لأهل الجنة في الجنة ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر» ، ونحن نعلم أن هذا في الإنعام أكثر من النهر الذي وصف.
وقال بعضهم : (الْكَوْثَرَ) : شيء أعطاه الله ـ تعالى ـ رسوله لا يعرف.
وأصله : أنه شيء خاطب به رسوله ، وهو قد عرفه ؛ فلا يجب أن يتكلف معرفته وتفسيره ؛ لأنه إن أخطأ لحقه الضرر ، وإن أصابه لم ينفع كثير نفع.
وقيل : (الْكَوْثَرَ) : هو حرف أخذ من الكتب المتقدمة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، اختلف فيه :
قال بعضهم : حقيقة الصلاة هي الخضوع والخشوع والدعاء ، أمره بجميع ما يعبده في نفسه ، وأمره أن يأتي بما تعبده من القرابين ، والذبائح ، والضحايا التي فيها نفار الطباع ؛
__________________
(١) في ب : ذكر أن سورة : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ) مكية.
(٢) في ب : اختلف.
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٨١٣٦) وهو قول ابن عمر ، وعائشة ، وأنس ، وغيرهم.