حتى أن من الكفرة من يحرم الذبائح والنحر ؛ للآلام التي فيها ، والطباع تنفر عن ذلك ؛ فتعبده بالذي فيه مناقضة طبعه ونفاره عنه.
وجائز أن يكون لا على الأمر بالصلاة والنحر ، ولكن معناه : إذا فعلت ذلك فافعل لله ؛ لأن أولئك الكفرة كانوا يصلون للأصنام ، ويذبحون لها ؛ كقوله : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) [المائدة : ٣] ، أي : للنصب ، فأمره أن يجعل ذلك لله تعالى.
وقال الحسن (١) : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) صلاة العيد ، وانحر البدن بعدها.
وقال مجاهد وعطاء (٢) : صل الصبح بجمع ، وانحر بمنى.
وقال بعضهم (٣) : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ) حقيقة الصلاة ، وهي الصلاة المعروفة المفروضة ، وهي مخ العبادة ؛ على ما ذكر في الخبر.
وكذلك ما ذكر أن المصلي مناج الرب تعالى ، وهو ـ والله أعلم ـ لأنه ما من عبادة إلا وفيها شيء من اللذة وقضاء شهوة النفس وأمانيها من السير ، والركوب ، والأكل ، والشرب ، والكلام ، والانتقال من موضع إلى موضع ، وغير ذلك من الطاعات مما فيه شيء من اللذة للنفس وقضاء شهوتها ـ وإن قل (٤) ـ من الحج والزكاة والجهاد وغير ذلك ، إلا الصلاة نفسها ؛ فإن فيها قطع النفس عن جميع شهواتها وأمانيها ، وعن جميع ما يتلذذ به من أنواع اللذات ، وعلى ذلك ما سمي موسى ـ عليهالسلام ـ : كليم الله ، ونجيه ؛ لأنه فارق قومه وجميع ما للنفس فيه لذة وراحة ، وأتى جبلا ليس فيه (٥) أحد ، وكلمه ربه في ذلك ؛ فسمي : نجي الله ، وعلى ذلك سمي المصلي : مناجيا ربه ، وخص بذلك الاسم ؛ لما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَانْحَرْ) : هو ما ذكرنا من نحر البدن الذي تعبده للكل ؛ لما فيه من نفار النفس بالتألم الذي يحصل لغيره بفعل غيره ؛ فالتألم به بفعل نفسه أكثر من التألم بفعل غيره ، وهو مجاهدة النفس وتغير ما امتحنه ـ عليهالسلام ـ بتحمل المشقة لوجهه تعالى مرة بالتبليغ إلى الكفرة مع الخطر على نفسه ، ومرة بمجاهدة نفسه بالقيام بالليل ، ومرة بإتيان خلاف الطبع ، وهو ذبح البدن ؛ إذ الطبائع تنفر عن إراقة الدماء مع أنه أشفق
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٨٢٠٢ ، ٣٨٢٠٣).
(٢) أخرجه عبد الرزاق ، وابن جرير (٣٨٢٠١ ، ٣٨٢٠٦) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٦ / ٦٨٩).
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٨١٩٥) وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٦٨٩).
(٤) في ب : قيل.
(٥) في أ : به.