سورة الفلق ، [وهي مدنية](١)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ)(٥)
قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) :
قال الفقيه ـ رحمهالله ـ : الأمر بالتعوذ به يحتمل وجوها ثلاثة :
أحدها : على التعليم ، لا لنازلة كانت في ذلك الوقت ؛ لكن لما علم الله ـ تعالى ـ من عظيم (٢) شر من ذكر بما يظن بالأغلب أن شر ما ذكر يتصل بالذي ذكر في علم الله تعالى ؛ فأمرهم بالتعوذ به ، كما أخبر في أمر الشيطان : أنه عدو لهم ، وأنه يراهم من حيث لا يرونه ؛ ليكونوا أبدا معدين متيقظين فزعين إلى الله ـ تعالى ـ معتصمين ، وهذا أحق في التعليم من الذي ذكر في سورة الناس ؛ لأنه أضر من ذلك العدو ؛ لأن ضرره إنما يتصل به بإتيانه ما دعاه إليه الشيطان ، وما يوسوس في صدره الوسواس ، وذلك فعله يمكنه الامتناع عنه ، وهذا الضرر يقع بفعل غيره من وجه لا يعلم مأتاه ـ أعني : شر النفاثات ونحو ذلك ـ فهو أحق في تعليم العباد فيه ، والأمر بالفزع إلى من بلطفه جعل ذلك الفعل ممن ذكرنا معمولا فيه مؤثرا.
والثاني : ما قيل : نزل جبريل ـ عليهالسلام ـ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم [فقال] : «إن عفريتا من الجن يكيدك ؛ فتعوذ بأعوذ برب الفلق ، وبرب الناس من شره إذا أويت إلى الفراش».
والثالث : قيل : إن واحدا من اليهود سحر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزل هذا.
قال أبو بكر الأصم : ذكروا في [هذه السورة](٣) حديثا فيه ما لا يجوز ؛ فتركته.
قال الفقيه ـ رحمهالله ـ : ولكن عندنا فيما قيل : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سحر ـ وجهان في إثبات [رسالته ونبوته](٤).
أحدهما : بما أعلمه بالوحي أنه سحر ، وذلك فعل فعلوه سرا منه ، ولا وقوف لأحد على الغيب إلا بالوحي.
والثاني : بما أبطل عمل السحر بتلاوة القرآن ؛ فيصير لتلاوته في إبطال عمل السحر ما
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : عظم.
(٣) في ب : هذا.
(٤) في ب : نبوته ورسالته.