سورة الناس ، مدنية
بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(٦)
قوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) :
ظاهره أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بشيء مشار إليه ، وهو التعوذ ، وحق الإجابة في مثله أن [يقول : أعوذ ، لا أن يقول : (قُلْ أَعُوذُ)](١) لكنه ـ والله أعلم ـ يخرج على وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك أنزل بحق أن يصير ذلك أمرا لكل من بلغه ، وتعليما بالذي عليه من الاعتصام بالله ـ تعالى ـ والالتجاء إليه من شر الذي ذكره ؛ ليعيذه ، وتكون الإعاذة بوجهين :
أحدهما : في تذكير (٢) ما عرفه من الحجج في دفع ما يخطر بباله من المكروه.
والثاني : باللطف الذي لا يبلغه علم الخلق ، ولا تدركه عقولهم مما لديه نفع الأمن من الزيغ مما حقه الإفضال ، والذي ذلك حقه ، فلله ـ تعالى ـ أن يكرم به العبد مبتدئا ، وله أن يقدم فيه محنة السؤال والاعتصام به ؛ على الإكرام أيضا ، ويلزم على من عصم به عن الزلة ، أو هدي إلى حسنة : الشكر لله ـ تعالى ـ فيما ابتدأه أو أكرمه به عند السؤال.
والوجه الثاني من وجهي الخطاب : أن يكون الخطاب لغيره ، [وإن كان](٣) راجعا إلى مشار إليه ، فهو مما يشترك في معناه غيره ؛ فأبقى (٤) وأثبت ما به يصير مخاطبا من بلغ ذلك ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ) حتى يدوم هذا إلى آخر الدهر ، وعلى هذا جميع ما فيه حرف الكلفة والمحنة ـ أعني : صيغة الأمر ـ والله الموفق.
ثم في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ...). إلى آخر السورة وجهان من الحكمة ، فيهما نقض قول أهل الاعتزال :
أحدهما : أن المحنة قد ثبتت بالامتناع عن (٥) طاعة الشيطان والمخالفة له : فإما أن كان
__________________
(١) ما بين المعقوفين في أ : يقول : قل أعوذ ، وفي ب : يقول : إن القول : قل أعوذ ، وما أثبتناه هو ما نرى أنه الصواب.
(٢) في ب : تذكر.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : فأنفي.
(٥) في ب : من.