فيهن ؛ فيصيبنا من ذلك عذاب عظيم ؛ كما قال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النور : ١٤].
ولقائل أن يقول في قوله : (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) [النور : ١٦] : من أي وجه صار بهتانا عظيما ، ونساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن معصومات ، بل كان يتوهم منهن الصنع الذي رمين به؟!
فجوابه : أن أزواجه كن بالمحل الذي إذا ابتلين بزلة : سرّا ، أو جهرا أطلع الله تعالى ذلك نبيه (١) ـ عليهالسلام ـ ألا ترى أن إحداهن لما أفشت سر رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أخرى أطلع الله ـ تعالى ـ نبيه على ذلك ، فإذا كان لا يستر عليهن هذا القدر من الزلة ، فكيف يستر عليهن فعل الزنى منهن؟! ولو وجد من التي رميت فعل الزنى ، لكان يسبق الاطلاع من الله تعالى لرسوله ـ عليهالسلام ـ قبل أن يجري به التحدث (٢) على ألسن الخلق ، فإذا لم يسبق أوجب ذلك المعنى براءة ساحتها عما رميت به ، وصار الرامي لها به قائلا بالبهتان والزور.
وفي هذه الآية دلالة جواز العمل بالاجتهاد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لا بإذن سبق من الله تعالى ؛ إذ لو كان الإذن سابقا ، لما عوتب عليه ؛ لما ذكرنا : أنه لم يعاتب لزلة ارتكبها حتى يكون فيه منع عن العمل بالاجتهاد ، وإنما عوتب لمكان ما حمل على نفسه من فضل المؤنة في العشرة.
ثم الأصل : أن الإماء لا حظ لهن في القسم ، ولسن لهن من الأيام (٣) ما يكون مثله للحرائر حتى كان يقسم لها فيؤدي فيه حقها ، وقد أذن له في إمساكها وألا يزوجها ؛ فلا يجوز ألا يؤمر بتزويجها ، ثم هو لا يسكن شهوتها ، ثم هو إنما يصل إلى قضاء وطرها وتسكين شهوتها في يوم ذلك اليوم لزوجة من زوجاته ، فجائز أن يكون الله تعالى أكرمه أن يسكن شهوتها ويأتيها من حيث لا يعلم (٤) أزواجه بذلك ، ثم أطلع بعض نسائه على فعله ليعلمن أن المحنة عليهن بعد العلم وقبل العلم واحدة ، وأن عليهن أن يعظمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وألا يحملهن الغيرة على الاستقبال له بالمكروه والنظر إليه بالتنقص ؛ إذ لم يكن عليهن فيما يأتي تلك الأمة في أيامهن تقصير في حقهن ؛ إذ كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعطي من القوة في الجماع ما يطوف على جميع نسائه في ليلة واحدة.
__________________
(١) في ب : لنبيه.
(٢) في ب : التحادث.
(٣) في أ : الآثام.
(٤) في أ : يعلمها.