وأما ما ذكر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان كف نفسه عن شرب (١) العسل ، فذلك يحتمل أيضا ، ولكن ما ذكر من تحريم مارية أمكن ؛ لأنه لا يحتمل أن يكون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في شرب العسل من الرغبة ما يدخل على نسائه المكروه لأجله ، وجائز أن يلحقهن في استمتاعه بأمته مكروه فيحملهن ذلك على ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ).
دل قوله : (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) أنه قد طلب منها إسرار ذلك الحديث الذي أسر إليها ، وليس بنا حاجة إلى تعرف الحديث الذي أسر إليها.
وفيه دلالة : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إنما علم بإفشائها سره إلى صاحبتها بالله تعالى ، وهو قوله : (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ).
فقوله : [(عَرَّفَ)](٢) قرئ بالتخفيف والتشديد ، فمن قرأه بالتشديد ، فهو على أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرفها بعض ما أنبأت من القصة التي أسر إليها ، ولم يعرفها البعض ؛ لأنه لم يكن القصد من رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخبرها بذلك النبأ الذي [أسر به](٣) إليها ، وإنما كان المقصود منه تنبيهها بما أظهرت من السر ، وأفشت إلى صاحبتها ؛ لتنزجر إلى المعاودة إلى مثله ، والبعض من ذلك يعلمها ما يعلم الكل ، فلم يكن إلى إظهار الكل حاجة.
وذكر في بعض الأخبار أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لها : «ألم أقل لك»؟! وسكت عليه ، وفي هذا آية لرسالته ومنعهن عن إسرار ما يحتشمن عن إبداء مثله لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنهن إن فعلن ذلك ، أظهر الله ـ عزوجل ـ لنبيه صلىاللهعليهوسلم ذلك ؛ فيعلم ما يسرون.
ومن قرأه عرف بالتخفيف ، فهو يحمله على الجزاء فيقول : (عَرَّفَ بَعْضَهُ) أي : جزى عن بعض ما استوجبته بإفشاء السر ، وأعرض عن بعض الجزاء ؛ يقول الرجل لآخر : عرف حقي فعرفت له حقه ، أو عرفت حقي فسأعرف حقك ، أي : أقوم بجزاء ذلك ، وذكر في الأخبار أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم طلق حفصة تطليقة ، ثم نزل جبريل ـ عليهالسلام ـ فقال له : راجعها ؛ فإنها صوامة قوامة ، وإنها لزوجتك في الجنة [؛ فجائز أن يكون](٤) طلاقه إياها جزاء لبعض صنيعها.
__________________
(١) في ب : شراب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : أسرت.
(٤) في أ : فيكون.