ثم من الناس من يختار إحدى القراءتين على الأخرى ، فيقرأ إحداهما ويرغب عن الأخرى ، وذلك مما لا يحل ؛ لأن الأمرين جميعا قد وجدا ، وهو الجزاء والتعريف ، فجمع الله تعالى الأمرين جميعا في آية واحدة ، وفصل بين الأمرين بالإعراب ؛ فليس لأحد أن يؤثر إحدى القراءتين على الأخرى ؛ وهذا كقوله تعالى في قصة موسى ـ عليهالسلام ـ (لَقَدْ عَلِمْتَ) ، و (عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الإسراء : ١٠٢] ، وقد علم موسى ـ عليهالسلام ـ وعلم فرعون اللعين ، فقد كان الأمران جميعا ، فجمع الله تعالى بين الأمرين جميعا في آية واحدة ؛ فلا يحل لأحد أن يقرأ بأحد الوجهين ويمتنع عن [الوجه](١) الآخر ؛ فكذلك هذا في قوله تعالى : (رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) [سبأ : ١٩] وبعد بين أسفارنا ، فمن قرأه (باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) حمله على الدعاء ، ومن قرأه (باعِدْ) حمله على الإخبار ، وقد كان الأمران جميعا : الدعاء والإخبار ؛ فليس لأحد أن يؤثر أحدهما على الآخر ، فعلى ذلك الحكم في قوله : [(عَرَّفَ بَعْضَهُ) و (عَرَّفَ بَعْضَهُ)](٢) ، والله أعلم.
وقد وصفنا تأويل قوله : (الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) فيهما ما يدعو الإنسان إلى المراقبة والتيقظ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما).
في هذه الآية دلالة أن الحديث الذي أفشي كان بين زوجتين ؛ لأن قوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) يدل على ذلك ، فإنه كان أسر النبي ـ عليهالسلام ـ عند إحداهما ، ومنعها أن تفشي إلى الأخرى فأفشت ، لكنا لا نعلم أن ذلك الحديث كان ما ذا؟ لكنه كان منهما ما يجوز أن تعاتبا به وتدعيا إلى التوبة ؛ لقوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) ، [وإن خفي ذلك علينا](٣) ، ثم إذا عرفنا أن الله ـ تعالى ـ جعل عقوبتهن وتأديبهن أشد من العقوبة على غيرهن بقوله : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠] ، فيجوز أن يندبن إلى التوبة بأدنى زلة حقها التجاوز عن غيرهن.
ثم قوله : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) فجائز أن يكون قوله : (إِنْ) زيادة في الكلام ، وحقه الحذف ، فيكون معناه : توبا إلى الله ؛ فقد صغت قلوبكما ، ويوقف عليه ثم يبدأ بقوله : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ).
وجائز أن يكون حقه الإثبات ، فلا يكون حرف (إِنْ) زيادة ، ويكون معناه : إن تتوبا
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ.
(٣) في أ : وإن تظاهرا علينا.