أي : اشدد عليهم ، والتشديد عليهم : أن يسفه أحلامهم ، ويهتك أستارهم ، وهو أن يبين لهم ما هم عليه من النفاق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، قد تقدم ذكر هذا.
[ثم](١) في قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) ، دلالة فضيلة نبينا صلىاللهعليهوسلم على من تقدمه من الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ لأنه ذكر موسى ـ عليهالسلام ـ في التوراة : يا موسى ، وفي الإنجيل : يا عيسى ، وفي مخاطبات آدم : يا آدم ، فسمى كل نبي باسمه سوى نبينا صلىاللهعليهوسلم فإنه ذكره وخاطبه بقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ) [المائدة : ٦٧] ، وبالنبوة والرسالة استحق الفضيلة ، فذكره باسم فضله وخاطبه به ، وذكر غيره من الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ باسم شخصه.
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(١٢)
وقوله (٢) ـ عزوجل ـ : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ).
فجائز أن هذا المثل لمكان الكفرة الذين لهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم اتصال من حرمة القرابة ، فكانوا يطمعون منه الشفاعة (٣) في الآخرة إن كان الأمر على ما ذكره النبي (٤) صلىاللهعليهوسلم لهم ؛ لأنهم عرفوه بالشفقة والرحمة على الخلق جملة ، فكيف يدع شفقته ورحمته على قرابته وهو يراهم يترددون في الهلاك؟!
فبين لهم شأن امرأة نوح وامرأة لوط وما كان بينهما وبين نوح ولوط ـ عليهماالسلام ـ من الاتصال ؛ لئلا يغتروا باتصالهم بالنبي صلىاللهعليهوسلم.
وجائز أن يكون هذا في بدء الإسلام ، في الوقت الذي يتفرد الآباء بالإسلام دون الأبناء ، والأبناء دون الآباء ؛ فيكون المثل لمكان أولئك الذين التزموا (٥) وداوموا عليه ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : وهو قوله.
(٣) في ب : بالشفاعة.
(٤) في أ : ذكر محمد.
(٥) في ب : ألزموا.