نضارة وجهه كأنه قنديل وطلاب الحديث في غالب أحوالهم يكون الواحد منهم شاحبا باهتا رفيع الجسم رث الهيئة من كثرة انشغاله بالطلب والتحصيل ؛ فكل واحد من هذه الأسباب كان كافيا في تشكك الحارث فيه وملابسه الغير معهودة في وسطه هذا ونضارة وجهه.
لكننا نرجّح أن هناك أسبابا أخر غير هذا السبب خاصّة أن ابن الأثير لم يسند حكايته ، وابن نقطة ـ وجادة ، روايته وفيها انقطاع وإعضال بين الدوني والنسائي فبينهما مائتا سنة ، وهي مسافة تنقطع فيها أعناق المطى ، فيظهر لي أن السبب في ذلك أحد أمرين إما المذهب وإما المنصب أو كليهما جميعا.
أما المذهب ، فلأن الحارث كان مالكي المذهب كما سبق ، ولعله كان بينه وبين الشافعية شيء ، يظهر ذلك فيما أوردناه في ترجمته من أول أعماله حين تولى القضاء من إخراج الشافعية من المسجد وأمره بنزع حصرهم من العمد ، وكان إمامنا النسائي شافعي المذهب ، وكان قد صنف منسكا فيه ؛ فلعل المذهب أحدث بينهما شيئا.
وأما المنصب : فلأن الحارث كان قاضي القضاة كما وصفه الذهبي وغيره ، وكان النسائي هو الآخر قاضيا بمصر ، وقيل : بحمص أيضا.