وكان عمر النسائي عند وفاة شيخه الحارث ٣٥ سنة تقريبا ، وهو سن يحتمل فيه توليه القضاء.
لعل فيما ذكرته وميضا يوضح بعض العلاقة بين الإمام النسائي وشيخه.
فما حدث بين الإمام النسائي وبين شيخه الحارث بن مسكين إنما هو مثال أرسى قواعده الإمام النسائي الجليل القدر لكل طالب علم للتأدب مع شيخه وقدوته ، وما يجب عليه من عظيم حرمته : «أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه ، أو سوء خلق ولا يصده ذلك عن ملازمته .... فإن ذلك أنفع للطالب في دنياه وآخرته .... وقال المعافي بن عمران : «مثل الذي يغضب على العالم مثل الذي يغضب على أساطين (١) الجامع».
فهذه آداب ينبغي أن يتحلى بها طلاب العلم في كل مكان وزمان.
ولعلّ هذا التصرف من شيخه الحارث بن مسكين ناشئ عن حدّة فيه ، فإنه لا يتولى القضاء ، ويكون قوالا بالحق من قضاة العدل إلّا من كانت فيه حدّة ، وانظر إلى ترجمته من السير وردوده على المأمون وقوة إجابته ، وسرعته في قول الحق ، حتى قال فيه ابن أبي داود لبعض
__________________
(١) جمع أسطوانة : وهي العمود. انظر تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم لابن جماعة (ص ٩١).