سبب النزول :
نزلت الآية في صلح الحديبية ، لما صد المشركون النبي صلىاللهعليهوسلم عن البيت الحرام ، وصالحوه على أن يرجع في عامه القابل ، ويخلوا مكة له ثلاثة أيام للنسك والطواف. فلما كان العام القابل تجهز النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه لعمرة القضاء ، وخافوا ألا تفي لهم قريش وأن تصدهم عن المسجد الحرام بالقوة ويقاتلوهم كما فعلوا في العام السابق ، وكره الصحابة قتالهم في الحرم والأشهر الحرم فأنزل الله هذه الآية.
المعنى :
أيها المؤمنون : قاتلوا في سبيل الله فإنى أذنت لكم في قتال المشركين : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [سورة الحج الآية ٣٩]. فإنهم فتنوكم عن دينكم وأخرجوكم من دياركم ، وقاتلوكم ونكثوا عهودهم ، وقاتلوهم على أنه دفاع في سبيل الله للتمكن من عبادته في بيته ، ولتربية هؤلاء المفتونين والمغرورين ، ولا تعتدوا بالقتال فتبدأوهم ، ولا تعتدوا في القتال بأن تقتلوا الصغار والعجزة والشيوخ أو من ألقى إليكم السلاح ، إن الله لا يحب الخير للمعتدين فكيف بمن يعتدى في الحرم والأشهر الحرم؟
اقتلوهم إذا نشب القتال بينكم أينما أدركتموهم على أى حال كما سيأتى في الآية قريبا ، وأخرجوهم من مكة حيث أخرجوكم ، وظاهروا على إخراجكم ، أليست فتنتهم إياكم في الحرم عن دينكم بالإيذاء والتعذيب ومصادرة الأموال والإخراج من الوطن أشد قبحا من القتال في الحرم؟! إذ لا بلاء أشد على نفس الحر من الإيذاء والاضطهاد لأجل عقيدة تمكنت في قلبه ، واستحوذت على عقله ورأى السعادة في الدنيا والآخرة موقوفة عليها ، وحقا : الفتنة أشد من القتل.
ثم استثنى القرآن الكريم من وجوب قتال هؤلاء المحاربين في كل زمان ومكان قتالهم في المسجد الحرام لأن من دخله كان آمنا ، فإن قاتلوكم فقاتلوهم ، ولا تستسلموا لهم أبدا ؛ فالشر بالشر والبادي أظلم ، وكذلك جزاء الكافرين.
فإن انتهوا عن القتال وكفوا عنه ، أو دخلوا في دين الله ، فإن الله غفور لهم ، رحيم يمحو من العبد ما سلف إذا هو تاب وأناب.