قال : مستبعدا عمارتها بعد خرابها مستعظما قدرة الله متشوقا لعمارتها : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) ولما دخل القرية وهي خالية من سكانها وقال ما قال وكانت أشجارها قد أثمرت تينا وعنبا ربط حماره وأكل من ثمرها ونام.
لما حصل منه هذا أماته الله مائة عام ثم رد له الحياة وبعثه على سبيل السرعة والسهولة حتى كأنه كان نائما ثم استيقظ ، قيل له : كم وقتا لبثته؟ وإنما سئل هذا السؤال ليظهر عجزه عن إحاطته بشئونه تعالى.
قال : لبثت يوما أو بعض يوم بناء على التقريب وتقليل المدة ، فقيل له : ما لبثت هذا القدر بل لبثت مائة عام ، فانظر لترى دلائل قدرتنا : انظر إلى طعامك وشرابك الذي بقي مائة عام لم يتغير ولم يفسد مع سرعة فساد أمثاله ، وانظر إلى حمارك كيف نخرت عظامه وتقطعت أوصاله لترى كيف تطاول الزمن عليك وعليه وأنت نائم ، فعلنا ما فعلناه لتعاين ما استبعدته من الإحياء ، ولنجعلك آية دالة على تمام قدرتنا على البعث يوم القيامة : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ). (١)
وانظر إلى عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء في غيرك ، فها هي العظام نرفع بعضها إلى بعض ونردها إلى أماكنها من الجسد فنركبها تركيبا وثيقا محكما ، ثم نكسوها لحما طريا يسترها كما يستر الثوب الجسد ، فلما تبين له أن الله على كل شيء قدير قال : أعلم أن الله على كل شيء قدير.
وهذا المثال من آيات الله الدالة على البعث
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)
__________________
(١) سورة الروم آية رقم ٢٨.