المفردات :
(بَلى) : حرف يجاب به (فَصُرْهُنَ) : أملهنّ إليك واضممهن.
المعنى :
مثال ثان لولاية الله للمؤمنين ولهدايتهم إلى الطريق المستقيم ، وهو من الآيات الدالات على البعث ، وإنما ذكر في القرآن مثالان للبعث ومثال لوجود الله لأن منكري البعث أكثر من منكري وجود الله.
واذكر وقت قول إبراهيم : رب أرنى كيف تحيى الموتى وقد تأدب مع مولاه أدبا يليق به حيث بدأ سؤاله برب الذي يشعر بالعناية والتربية لخلقه ، قال ـ تعالى ـ له وهو أعلم به : ألم يوح إليك ولم تؤمن بذلك؟ قال إبراهيم مجيبا : يا ربي قد أوحيت إلىّ وآمنت بذلك ولكن تاقت نفسي وتطلعت لأن تقف على كيفية الإحياء للموتى ليطمئن قلبي بمشاهدة العيان مع الوثوق والإيمان ، ولا غرابة في ذلك ؛ فكلنا يؤمن بالأثير وعمله في نقل الأخبار والصور ، وكثير منا لا يعرف كيفية ذلك وتتوق نفسه للمعرفة.
وفي رد الله عليه بقوله : أو لم تؤمن؟ إشارة إلى أن الإنسان لا يكلف بأكثر من الإيمان بأخبار الغيب الصادرة عن المولى ـ جل شأنه ـ في ذاته وصفاته ويوم القيامة وغيره.
قال تعالى : فخذ يا إبراهيم أربعة من الطير فأملهن إليك وضمهن وقطعهن قطعا ثم اجعل عل كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك ساعيات كما كانت ، وهكذا يحيى الله الموتى ، واعلم أن الله عزيز حكيم. هذا رأى الجمهور في الآية ، وقد رأى بعضهم رأيا رجحه تفسير المنار ، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنه المناسب بطلب إبراهيم ، وها هو الرأى :
خذ أربعة من الطير فأملهن إليك (والطير شديد النفور من الإنسان) حتى يأنسن بك ويمتثلن أمرك ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ، أى : واحدا من الطير ثم ادعهن يأتينك ساعيات ممتثلات بمجرد الدعوة ، وهكذا يحيى الله الموتى فيقول : كونوا أحياء فيكونوا. (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت ١١] (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [سورة يس آية ٨٢].