(الْفُرْقانَ) : ما يفرق بين الحق والباطل كالدلائل والبراهين ، وقيل : العقل ، وقيل : القرآن. (الْأَرْحامِ) : جمع رحم ، وهو مستودع الجنين من المرأة.
نزلت هذه الآيات في وقد نصارى نجران ، كانوا ستين راكبا فيهم أربعة عشر من أشرافهم وعلى رأسهم أميرهم ووزيرهم وحبرهم ، ولما قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم وعليهم الحبرات ، تكلم منهم ثلاثة ، فمرة قالوا : عيسى ابن مريم إله لأنه يحيى الموتى ، وتارة هو ابن الله إذ لم يكن له أب ، وتارة هو ثالث ثلاثة لقوله ـ تعالى ـ قلنا وفعلنا ولو كان واحدا لقال : قلت وفعلت ، وحاجهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما يدحض حجتهم ويزيل شبهتهم ، ولكنهم عاندوا حتى طالبهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالمباهلة فامتنعوا ، فأنزل الله من أول السورة إلى نيف وثمانين آية منها تقريرا لما احتج به النبي وبيانا لعنادهم وجحودهم.
المعنى :
بدأ الله السورة بإثبات التوحيد الذي هو أساس الدين ولرد اعتقادهم من أول الأمر ، الله لا معبود بحق في الوجود إلا هو ؛ إذ ليس في الوجود صاحب سلطة حقيقية على النفوس يبعثها على تعظيمه والخضوع له قهرا منها معتقدة أن بيده منح الخير ورفع الضر إلا الله وحده دون سواه ، الحي الدائم الحياة التي لا أول لها ، القيوم على خلقه بالتدبير والتصريف قامت به السموات والأرض قبل خلق عيسى ، فكيف تقوم قبل وجوده؟ إذا ليس إلها ؛ نزل عليك يا محمد القرآن بالحق لا شك فيه ، ولا ريب أنه من عند الله أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ، وكفى بالله شهيدا ، مصدقا لما بين يديه من الكتب المنزلة على الأنبياء قبله فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت وهو يصدقها لأنه جاء مطابقا لما أخبرت وبشرت.
وأنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى من قبل هداية للناس وإرشادا ، فأنتم ترون أن الله أنزل الوحى وشرع الشرائع قبل وجود عيسى وبعده فلم يكن عيسى هو المنزل للكتب على الأنبياء ، وإنما كان نبيّا مثلهم فكيف يكون إلها؟
وأنزل الله الفرقان ووهب العقل والوجدان ليفرق الإنسان بين الحق والباطل ، وعيسى لم يكن واهب العقول والأفهام.