(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) أى : قلة وما ذاك إلا أن جيوش المسلمين قلتها متمسكة بدينها مطيعة لرسولها وقائدها لم يكن لهم اعتماد إلا على الله وحده ؛ وما أمرهم به من الثبات عند لقاء العدو (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لم يتعد واحد حدوده ، قد ملأ الإيمان قلوبهم وخلا النفاق منها ، وعلى العموم كانوا يدا واحدة صبها الله على عدوهم ، ودعا النبي صلىاللهعليهوسلم فيها دعاءه المشهور : «اللهم أنجز ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض». قال راوي الحديث : فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده ثم التزمه من ورائه (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ) (الآية).
غزوة أحد
كانت في السنة الثالثة للهجرة بعد غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون وهم قلة ، وذلك أن قريشا حينما عادت إلى مكة بعد غزوة بدر أجمعوا أمرهم ، وأنفقوا الكثير من أموالهم ليصدوا عن سبيل الله وجهزوا جيشا عدته ثلاثة آلاف مقاتل يقصدون النبي صلىاللهعليهوسلم في المدينة.
ولما وصل خبرهم إلى المدينة استشار محمد صلىاللهعليهوسلم القائد والسياسى الموفق أصحابه ، فأما الشيوخ ومعهم عبد الله بن أبىّ زعيم المنافقين ورأس اليهود في المدينة ، فقالوا : نبقى في المدينة ونحصنها ونقاتلهم في الأزقة والدروب ، وترمى النساء والولدان من على الآكام والبيوت.
وأما الشباب ومن لم يكن له شرف القتال في بدر ، فأشاروا بالحرب وقالوا : هذه فرصة ، وكان عمرو بن عبد المطلب يرى هذا الرأى ؛ أما النبي صلىاللهعليهوسلم فكان يميل إلى رأى الشيوخ ، وقد رأى في المنام أنه في درع حصينة وأن سيفه ذا العقال انكسرت ظبته (حده) وأنه رأى بقرة تذبح وأن معه كبشا ، وقد أول الرؤيا : الحصن : المدينة ، كسر السيف ، موت عزيز لديه من أهل بيته ، ذبح البقرة : قتل بعض أصحابه ، الكبش : للفتك بزعيم من زعماء الشرك ، ولكن الرسول صلىاللهعليهوسلم رجع لرأى الأغلبية القائلين بالحرب والساعين إليه فلبس وتجهز ، وما قبل الرجوع بعد هذا وقال : «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يقاتل».