ولقد فهم بعض العلماء قديما أن هذه الآية تشير إلى أنهم لا تقوم لهم دولة أبدا ، ونحن معهم في هذا ؛ إذ قيام دولة كهذه يوما أو يومين لا يهدم رأيهم ، فقديما استولى الصليبيون على بيت المقدس ردحا من الزمن ، ثم علت كلمة الله ورفعت راية الإسلام ، وقريبا بأمر الله ترفع راية الإسلام.
وقيام دولتهم هذه بمثابة تنبيه شديد من الله لنا علّنا نتعظ ونثوب إلى رشدنا وديننا (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (١) فارجعوا إلى رشدكم حتى لا تضرب عليكم الذلة والمسكنة بكل معانيها القريبة والبعيدة.
وبعد أن ذكّرهم بما فعلوا قديما ، وبيّن عاقبة أمرهم بأوضح بيان ليعتبر المعاصرون ويتعظوا ، أتى بقانون عام شامل لا يفرق بين أحد فقال ما معناه :
كل من آمن يا لله واليوم الآخر إيمانا قلبيا وعمل صالحا فله من الله الأجر والمثوبة ، وأنه لا يخاف أبدا ولا يحزن في الدنيا والآخرة ، سواء كان من الذين آمنوا أو من اليهود أو النصارى أو من الذين رجعوا عن دينهم مطلقا (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (٢). وهذا أروع مثل لمبدأ المساواة في الإسلام.
من جنايات اليهود
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)
__________________
(١) سورة الرعد آية رقم ١١.
(٢) سورة الأنفال آية رقم ٣٨.