القول أو يعاملها معاملة قاسية لا تتناسب مع رابطة الزوجية التي عبر عنها القرآن بقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [سورة الروم آية ٢١].
وعلى المرأة الانتظار والتريث فربما يكون الزوج مضطرّا إلى هذا العمل لظروف خاصة له فإذا أحست منه ذلك لكراهته إياها ورغبته عنها ، فلا إثم عليها ولا حرج في أن يصلحا بينهما بأن تعرض على زوجها التنازل عن بعض حقوقها ونفقاتها لتبقى في عصمته إن كان ذلك خيرا لهما أو تتنازل عن نفقة العدة أو عن بعض الصداق ومتعة الطلاق ليطلقها (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (١) إن كان في هذا خير لها.
وقد روى أن امرأة أراد زوجها أن يطلقها لرغبته عنها وكان لها منه ولد فقالت : لا تطلقني ودعني أقم بتربية ولدي وتقسم لي في كل شهرين فقال : إن كان هذا يصلح فهو أحب لي ، والصلح خير من الطلاق والشقاق والخلاف الذي يهدم كيان الأسر ويقطع رابطة من أقدس الروابط ، وناهيك أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فالصلح هو الخير حتى لا يمنى المجتمع بداء التفرق فإن فيه القضاء على الأولاد الصغار وضياعهم ماديا وأدبيا ، ويشير القرآن إلى أن الشح طبع في النفوس فقد جعلت حاضرة له ومطبوعة عليه فتجد المرأة تشح نفسها ولا تسمح بحقوقها التي قبل الرجل وترى الرجل شحيحا لا يجود بحسن المعاشرة وطيب المعاملة ، هكذا جبلت النفوس. وعلى هذا طبعت ، وأحضرت الأنفس الشح (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢) فالقرآن يحث كلا من الزوجين على التنازل عن بعض الحقوق وعلى معالجة شح النفس ، ويقول لهم أيضا : وأن تحسنوا المعاملة وتتقوا النشوز والإعراض والمعاكسة وتصبروا على ما يبدو من أحد الزوجين مراعاة لحقوق الزوجية وهناءتها ، أن تفعلوا ذلك فإن الله بما تعملون خبير وبصير.
ولن تستطيعوا العدل بين النساء ولو كنتم حريصين على ذلك ففي المعاملة أمور مادية وأخرى غير مادية ، وأما المادية فتستطيعون فعلها والعدل فيها ؛ كالمبيت والنفقة والكسوة ... إلخ ، أما الأمور القلبية كالميل والحب وغير ذلك مما يكون الباعث عليه
__________________
(١) سورة البقرة آية ٢٢٩.
(٢) سورة الحشر الآية ٩ ؛ والتغابن ١٦.