بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أما بعد :
فقد سعد كثيرون من القدامى والمحدثين بالتصدى للكشف عما في الكتاب الكريم من معان وأسرار بلغت الذروة في الكمال ونحا كل منهم نحوا يغاير الآخر : فمن باحث عن الوجوه البلاغية إلى مفصل للأحكام الشرعية إلى ذكر بدائع لغوية وتراكيب تأخذ بالألباب ، إلى محدث عن القراءات ووجوهها ، إلى غير ذلك مما لا يكاد يحيط به الحصر ، أطال هؤلاء الأعلام حتى كان كلامهم مراجع وموسوعات ، كالفخر والشهاب والآلوسي والطبري والقرطبي ، فموسوعاتهم هذه لا تغيث من يرغب أن يعرف ما يريده إن لم يكن ملما بقدر كبير من اللغة والأدب والأحكام والاصطلاحات العلمية ، ومنهم من اتجه ناحية الإيجاز والاختصار فكان كلامه أشبه بالبرقيات حتى أنه قد يترك ربط الآية ومناسبتها وما تمس إليه الحاجة كالشيخين الجليلين المحلى والسيوطي ومن ألف إلفهما.
وهؤلاء الأعلام ـ رضى الله عنهم ـ أقل ما نقوله فيهم أن الله أيدهم بروح من عنده حتى يسهل فهم كلامه ، وغاية ما نصل إليه أن نفهم كلامهم ونقف على إشاراتهم ، وسبحان من اتصف بالكمال.
والشيء الجديد في هذا العصر كثرة التعليم والمتعلمين ، وتشعب أنواع تعليمهم فأدى هذا إلى أمرين :
أولهما : تشعب البحوث من هؤلاء في علاقة الناس بعضهم ببعض حتى كثر الخلاف بين الناس في تفهم القانون الذي وضعوه ، ولا نزال نرى ونسمع أنهم اجتمعوا ليغيروا ويبدلوا ، ثم لا يمر عام أو بعض عام حتى يعيدوا الكرة فيزيدوا وينقصوا والأمر في ذلك الخلاف أشبه شيء بالبديهيات.