المعنى :
بعد أن أبان الله أن من الناس المهتدى ، وكثير منهم الفاسقون ، ضرب مثلا للمؤمن وآخر للكافر ، فبين فيه أن المؤمن المهتدى بعد الضلالة ، الموفق إلى الخير والهدى ، المميز بين الحق والباطل : كمن كان ميتا فأحياه الله ، وجعل له نور القرآن والحكمة يمشى به في الناس : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (١) له نور يستضئ به في ظلمات الحياة ، فيميز بين الخير والشر ، وأما الكافر الذي بقي على الضلالة يتخبط في ظلمات الكفر والفساد فكمن استقر في الظلمات الحسية لا ينفك عنها ، وليس بخارج منها ، فهو لا يهتدى إلى سواء السبيل ولا يسير على الطريق المستقيم.
أيستوى المؤمن والكافر؟ نعم لا يستويان أبدا ، وهل يستوي الظلمات والنور؟
مثل هذا التزيين السابق ، للمؤمن إيمانه وللكافر كفره ، قد زين للكافرين ما كانوا يعملون ، والذي زين هذا هو الشيطان الذي أقسم لأغوينهم أجمعين ، أو هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ نظرا إلى قوله : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) [سورة النمل آية ٤].
وكما جعلنا في مكة صناديدها وأشرافها ليمكروا ويصدوا عن سبيل الله فيها ، كذلك جعلنا في كل قرية مجرميها وفساقها ، أكابرها وأشرافها ، لأنهم أقدر على المكر والخداع وترويج الباطل بين الناس لرئاستهم وسيادتهم. وهكذا سنة الله مع أنبيائه ، يتبعهم الضعفاء ويكفر بهم الأشراف ، ومع هذا فالعاقبة للمتقين ، وما يمكر هؤلاء إلا بأنفسهم ، لأن عاقبة مكرهم عليهم ، وما يشعرون.
غرور المشركين وعاقبته
وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ (١٢٤)
__________________
(١) سورة الحديد آية ١٢.