فقتل داود جالوت ، وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ، وخاصة ما يتعلق بالحروب كعمل الدروع السابغات وغير ذلك.
ولقد آتينا داود منا فضلا كبيرا يظهر في نواح كثيرة أظهرها أنا قلنا : يا جبال أوبى معه وسبحي (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ* وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) [سورة ص ١٨ ، ١٩]. وهذا أمر يدل على عظم شأن داود وكبرياء سلطانه حيث جعل الله الجبال عقلاء منقادين لأمره في نفاذ مشيئته ، تسبيح إذا سبح ، وتكبر إذا كبر ، ولقد سخرنا لداود الطير ، وألنا له الحديد ، ولا شك أن إلانة الحديد بدون نار معجزة لداود ، وهي مناسبة لحاله ، وهو في أشد الحاجة لها هو وقومه ، وأمرناه : أن اعمل دروعا سابغات كاملات تحفظك من بطش العدو ، وتقيك إذا اشتد الحرب وحمى الوطيس.
وقدر في نسجها تقديرا حسنا يجمع بين خفتها ومتانتها ، وأن تكون متتابعة متلاحقة ، ولعل هذا هو السر في قوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) إذ السرد يعطى معنى التتابع.
واعملوا يا آل داود بعد هذا صالحا من الأعمال فإنه لا نجاح ولا فوز على العدو بالقوة المادية فقط ، بل لا بد من العمل الصالح الذي يقوم النفوس ويطهر الأرواح ، ويحصنها حتى لا تكبو ، ومن المطلع على خفايا النفوس؟ إنه الله عالم الغيب والشهادة إنه بما تعملون بصير فاحذروه.
وسخرنا لسليمان الريح تجرى رخاء حيث أصاب ، ريح مسرعة مع الهدوء والسكون تقطع في الغداة ما يقطعه المسافر النشيط في شهر وتقطع في الرواح ما يقطعه المسافر في شهر ، فغدوها شهر ورواحها شهر ، والله على كل شيء قدير.
وأسلنا لسليمان عين القطر ، وأجرينا له عينا تخرج نحاسا مذابا بلا نار ولا فحم يستخدمه في أغراضه ، وتكون معجزة له أمام بنى إسرائيل.
ويظهر ـ والله أعلم ـ أن داود كافح وقاتل حتى خلص الملك من الأعداء فمدته كانت مدة حرب وجلاد ، ولذلك كان مشغولا بعمل الدروع السوابغ ، وفي أيام سليمان كان الهدوء مخيما على المملكة فكان سليمان ينتقل على بساطه الذي يحمله الريح