إلا بعلمه ، وإن من يعلم تركيب الجهاز التناسلى ، وعملية الحمل والوضع ، وكيف يتم ذلك ، يعرف حقا القدرة الإلهية والعلم الشامل الذي لا يحيط به إلا هو ، ولا يعمر من شخص معمر ، ولا ينقص من آخر إلا في كتاب ، فليست زيادة الأعمار أو نقصها أمورا مرتجلة تخضع لحوادث الكون لا : بل كل شيء عند ربك بمقدار. حقيقة من أراد أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أجله فليصل رحمه ـ كما نطق بذلك الحديث الشريف ـ فهذا محمول على زيادة البركة في العمر ، وإلا فالقرآن صريح في قوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة الأعراف آية ٣٤].
إن كتابة الآجال وتثبيت الأعمار ، وتدوين كل ما هو كائن على الله يسير ، وبه جدير.
وانظروا إلى المياه التي حولكم : هذا عذب شديد العذوبة سائغ شرابه سهل تناوله يزيل العطش أو يجلب الري ويمنع الظمأ ، وبجواره مياه ملحة شديدة الملوحة لا يستساغ شربها ، وإن كانت هي أصل المياه العذبة فهل تصدق أن جميع المياه العذبة أصلها ماء البحر الملح؟ وما ذلك على الله بعزيز ، لا يستوي البحران أبدا ، هذا ملح أجاج ، وهذا عذب فرات ، ومن كل واحد منهما تأكلون لحما طريا ، وتستخرجون من البحر الملح حلية تلبسونها (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (١) وترى الفلك الموقرة بالأحمال الثقال في البحار تمخر العباب جيئة وذهابا ، سخر ذلك لكم لتبتغوا من فضل الله عليكم بالتجارة والانتقال ، ولتشكروا ربكم الذي سخر لكم البحر بقدرته.
أليس في العذوبة والملوحة مفارقات؟ وفي الحلي التي تخرج من البحار والسمك الذي يعيش في جوفه مفارقات. أليس في جرى السفينة على الماء ، ولا ترسب في قاعه مفارقات؟ ولكنها القدرة فلا تنكروا البعث لأن فيه مفارقات.
هو الله الذي يولج الليل في زمن النهار : ويدخل النهار في زمن الليل إن هذا بلا شك لعجيب! وهو الذي سخر الشمس والقمر ، كل يجرى لأجل مسمى عنده ذلكم الله صاحب القوى والقدر ، والعالم بكل ما غاب وما حضر ، والمتفضل بكل نعمة ما عظم منها وما صغر ، ذلكم الله ربكم وحده له الملك ، وإليه وحده الأمر ، فاعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئا ، وآمنوا به وبرسله وباليوم الآخر.
__________________
١ ـ سورة الرحمن آية ٢٢.