وإن تدع نفس مثقلة بحملها نفسا أخرى لتحمل عنها لا يحمل منه شيء أبدا ولو كان الإنسان المدعو ذا قربى.
روى أن الرجل يأتى إلى أبيه يوم القيامة فيقول : ألم أكن بك بارا ، وعليك مشفقا وإليك محسنا ، وأنت ترى ما أنا فيه فهب لي حسنة من حسناتك أو احمل عنى سيئة فيقول : إن الذي سألتنى يسير ، ولكن أخاف مثل ما تخاف وإن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحو هذا الرد.
روى أن امرأة تلقى ولدها فتقول : يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء ، ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول : بلى يا أماه! فتقول : يا بنى قد أثقلتنى ذنوبي فاحمل عنى ذنبا واحدا فيقول : إليك عنى يا أماه فإنى بذنبي عنك مشغول.
وأما أنت يا محمد فإنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب .. نعم إنك لا تنذر إلا هؤلاء أما غيرهم فقلوبهم في أكنة مما تدعو إليه فلا تلق بالا لهم. إنما يهتدى بك ويسمع لك الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم الذين يؤمنون بالغيب ، فالناس نوعان : نوع يؤمن بأن هناك إلها له قدرة ، هذه القدرة هي اليد المحركة لهذا الكون وهذا الصنف قلبه مفتوح لقبول رسالات الرسل ، وهناك صنف مادى لا يؤمن إلا بالمادة فلا يؤمن بالقوة الغيبية ، القوة الإلهية ، وهذا لا يمكن أن ينتفع بإنذارك.
إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب ، ويقيمون الصلاة ، ويؤدون الزكاة ، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ؛ ففائدة زكاته عائدة عليه ، وإلى الله المصير.
وهل يستوي المؤمن والكافر؟! أظن لا يستويان أبدا ، وكيف يستويان؟ وما يستوي الأعمى والبصير ، ولا تستوي الظلمات ولا النور ، ولا يستوي الظل ولا الحرور ، وما يستوي الأحياء ولا الأموات ، فالمؤمن حي حياة سعيدة ، والكافر ميت القلب والضمير يعيش كالحيوان ، فحياته غير معترف بها.
إن الله يسمع من يشاء فهو الذي علم ما فيهم من خير فوفقهم له ، وعلم ما في غيرهم من شر فخذلهم عن الحق ، وأما أنت فخفى عليك حالهم ، ولذا تطمع فيهم وما أنت بمسمع الأموات الذين عطلوا حواس قلوبهم حتى كأنهم أموات في القبور بل أشد ، ولا عليك شيء بسببهم ، إن أنت إلا نذير ، وما أرسلك ربك إلا بالحق حالة كونك مبشرا بالجنة ومنذرا بالنار ، وما من أمة إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها.