المعنى :
هؤلاء الكفار أمرهم عجيب : لقد ساق الله الآيات الظاهرة التي يعرفها كل مخلوق في الليل والنهار والشمس والقمر والأرض الميتة ، وحمل ذرياتهم في ظهور آبائهم فما اتعظوا ، ولا تذكروا. بل ظلوا كما هم.
والآن يخوفهم الله عاقبة أمرهم بعد عرض الآيات عليهم لعلهم يتوبون فيرحمون ولكنهم مع كل ذلك معرضون فالويل لهم.
وإذا قيل لهم : يا أيها الناس اتقوا ما بين أيديكم من أيام الدنيا وحوادثها الجسام واعتبروا بما حل بغيركم ، واتقوا ما خلفكم من أيام الآخرة وأهلها ومواقفها الشداد اتقوا الله واخشوا حسابه وعقابه لتكونوا على رجاء رحمة الله عاملين ، إذا قيل لهم هذا أعرضوا وأصروا على عنادهم واستكبروا استكبارا ، وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الكونية أو القرآنية للعبرة والعظة إلا كانوا عنها معرضين ، فدأبهم الإعراض عند كل آية وموعظة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) نزلت هذه الآية في مشركي قريش حين قال فقراء الصحابة لهم : أعطونا من أموالكم التي زعمتم أنها لله. يعنون قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [سورة الأنعام آية ١٣٦] فلم يعطوهم وحرموهم ، وقالوا للذين آمنوا : أنطعم شخصا لو شاء الله لرزقه كما تزعمون.
كان المشركون يسمعون المؤمنين ، وهم يعلقون الأفعال بمشيئة الله فيقولون : لو شاء الله لأغنى فلانا ، لأعطى فلانا ، ولو شاء الله لكان كذا وكذا فأخرج المشركون هذا الجواب (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) مخرج الاستهزاء بالمؤمنين وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمر بمشيئته تعالى.
كانوا يفهمون لسوء رأيهم : إنه إذا كان الله هو الرازق فهو قادر أن يرزقكم فلم تلتمسون الرزق؟! وهذه حجة واهية ، ورأى مأفون ؛ فالله قد ابتلى قوما بالفقر وقوما بالغنى ، وأمر الفقراء بالصبر وأمر الأغنياء بالعطاء والشكر (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [سورة الليل الآيات ٥ ـ ١٠].